ونستضئ بأنوار الحق واليقين، فإن الكتاب الإلهي قد حث على ذلك بأنحاء كثيرة، ومن أحسنها هذه الآية الكريمة، فإنها تومئ إلى اعتبار السنخية بين المهتدين بالقرآن العظيم، وبين الكتاب الذي لا ريب فيه، فإنه لا يعقل هداية الضال، لأنه مع فرض كونه ضالا لا يعقل هدايته، فإن صورة الضلالة هي الصورة الآبية عن قبول الهداية، فلابد وأن لا يكون متصورا بتلك الصورة حتى يكون قابلا للاهتداء بمثل ذلك الكتاب، فعليك أمر، وعلى الله تعالى أمور: أما الذي عليك فهو الاجتهاد في سبيل الخروج عن التعين بتلك الصورة المتعصية والرادعة المانعة، فإذا كنت خارجا عنها برفض الشهوات والبليات وأهواء النفس وأحكام المادة والشيطنة، تنالك - بحمد الله وإن شاء الله - المشية الإلهية الظاهرة في نشأة الغيب والشهود، ويخرجك من الظلمات إلى النور، فإن مجرد الخروج عن بيت ظلمة الطبيعة ليس من الهداية وصورتها النوعية، فإنها حركة نحو الوجود المطلق الإلهي، التي لا تحصل إلا بعد اكتساب الزاد والراحلة، فكما لا يكون الزاد والراحلة من السفر والحركة المعنوية، بل هي استعداد، كذلك الخروج عن ظلمات النفس وغشاوات الطبيعة، لا يعد من السفر المعنوي حقيقة.
وعلى كل حال يا أيها المفسر قم ورغب الناس في السير في المفاهيم والتراكيب والنكات والخصوصيات، وبشرهم بالسفر في حقيقة الكتاب وروحه، وفي دقيقة هذا النموذج الإلهي وشؤونه، حتى ينال العبد ما جاء لأجله الكتاب. والله الهادي إلى دار الحقيقة والصواب.