إذا تبين لك هذا الأمر، وتبين من قبل أن المراد من المتقين هو العموم الأفرادي الاستغراقي، وأن التقوى لا تختص بطائفة دون طائفة، فإن المجردات الأمرية أيضا من المتقين، وهم أهل التقوى من أن ينظروا إلى أنانيتهم ووجودهم مقابل الوجود الحقيقي، فهم منزهون ومتقون عن الظهور والتجلي زائدا على تجلياته تعالى.
وجودك ذنب لا يقاس به ذنب فيجتنبون عن مثل هذا الذنب العظيم، ويتقون ويهتدون بهداية الله، الذي هو في القوس الصعودي علي (عليه السلام) والإنسان الكامل، الذي هو باطن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فمن هذه الآية يستفاد لزوم كون الإنسان الكامل في القوس الصعودي وفي الحركة المعنوية، بالغا إلى مبدأ القوس النزولي حتى تتم دائرة الوجود، ولا يلزم التكرار في التجلي على حسب ما تقرر في محله من: أن الموجودات المتحركة بالحركات الذاتية لا تنتهي حركتها إلا بعد الوصول إلى عز القدس، وإلى التلبس باكتساء اللباس الوجوبي الباقي ببقائه تعالى (1).
وبالجملة: تحصل أن الآية الشريفة وإن كانت - حسب الآيات الأخر - ناظرة إلى المتقين في هذه النشأة، ولكن بحسب النظر الدقيق ربما ينتهي معناها إلى ما أفدناه، مع أن مفاد الآيات الأخر لا يقصر عن شمول الموجودات الأمرية، ولو كان يفسر القرآن بعضه بعضا، فيكون المتقون