ولأجل تعينه بتلك الصفة يترنم بقوله: * (إياك نعبد وإياك نستعين) *، وحيث يجد بعد ذلك لزوم ثباته وحرمة عثاره، فيريد منه تعالى - في حال الصحو بعد المحو - بقاء تلك الحالة بقوله: * (إهدنا الصراط المستقيم) *.
وغير خفي: أن هذا السير المعنوي يخص به الأكملين من أصحاب العرفان واليقين، الذين يحتجبون من الخلق بالحق في رجوعهم من الحق، وفي مقام البرزخية الكبرى، التي هي المقام الذي لا يحجب فيه الحق من الخلق ولا الخلق من الحق، وهذا في مقابل المحجوبين الضعفاء الذين احتجبوا من الحق بالخلق، وفي مقابل الكاملين من العرفاء الذين احتجبوا بالحق من الخلق.
فالصراط المستقيم هي تلك الحالة البرزخية الكبرى، المتوسطة بين المحو المطلق والصحو الكلي التام، وسيأتي أن من الممكن انطباق " غير المغضوب عليهم " على الحالة الثانية، و " لا الضالين " على الحالة الأولى الذين ضاعوا في الله وضلوا فيه، والمنعمين على المتوسطين بينهما. والله العالم.
ونومئ إلى أن سعادة البشر والوصول إلى نيل الكمالات، ليست تحت اختياره بنحو كلي، أي إذا أراد كل إنسان أن يصير سعيدا يصير سعيدا، بخلاف الشقاوة، فإنها تحت اختياره وقدرته، لأن الشقاوة تحصل بالإخلال بشرط من شروط السعادة، وهو تحت إرادته وقدرته، بخلاف السعادة، فإنها لا توجد إلا عند استجماع الشرائط الكثيرة، التي ربما لا يكون بعض منها تحت الاختيار، فالبلوغ إلى السعادة المطلقة غير ممكن، إلا بالجد والاجتهاد من قبل العبد، مع التوفيق الرباني ومساعدات الشرائط والعلل