في النار والجنة، من لدن نزول الآية، أو من بعد انقطاع التكليف. فحصل للاستثناء فائدة، عن المازني وغيره، واختاره البلخي. فإن قيل كيف يستثنى من الخلود في النار ما قبل الدخول فيها؟ فالجواب: إن ذلك جائز إذا كان الإخبار به قبل دخولهم فيها. وثالثها: ان الاستثناء الأول يتصل بقوله (لهم فيها زفير وشهيق) وتقديره إلا ما شاء ربك من أجناس العذاب الخارجة عن هذين الضربين، ولا يتعلق الاستثناء بالخلود، وفي أهل الجنة يتصل بما دل عليه الكلام، فكأنه قال لهم فيها نعيم إلا ما شاء ربك من أنواع النعيم. وإنما دل عليه قوله (عطاء غير مجذوذ)، عن الزجاج.
ورابعها: أن يكون إلا بمعنى الواو أي: وما شاء ربك من الزيادة، عن الفراء.
واستشهد على ذلك بقول الشاعر:
وأرى لها دارا بأغدرة * السيدان لم يدرس لها رسم إلا رمادا هامدا دفعت * عنه الرياح خوالد سحم (1) قال: والمراد بإلا الواو ههنا، وإلا كان الكلام متناقضا. وهذا القول قد ضعفه محققو النحويين وخامسها: إن المراد بالذين شقوا: من أدخل النار من أهل التوحيد الذين ضموا إلى إيمانهم وطاعتهم ارتكاب المعاصي، فقال سبحانه: إنهم معاقبون في النار إلا ما شاء ربك من إخراجهم إلى الجنة، وإيصال ثواب طاعاتهم إليهم.
ويجوز أن يريد بالذين شقوا جميع الداخلين إلى جهنم، ثم استثنى بقوله (إلا ما شاء ربك) أهل الطاعات منهم، ممن استحق الثواب. ولا بد أن يوصل إليه، وتقديره إلا ما شاء ربك أن يخرجه بتوحيده من النار، ويدخله الجنة. وقد يكون (ما) بمعنى (من) قال سبحانه: (سبح لله ما في السماوات) وقالت العرب عند سماع الرعد: سبحان ما سبحت له. وأما في أهل الجنة فهو استثناء من خلودهم أيضا لما ذكرناه، لأن من ينقل إلى الجنة من النار وخلد فيها، لابد في الإخبار عنه بتأييد خلوده أيضا من استثناء ما تقدم فكأنه قال: خالدين فيها إلا ما شاء ربك من الوقت الذي أدخلهم فيه النار قبل أن ينقلهم إلى الجنة. فما في قوله (ما شاء ربك)