قال له: تقول جئتك من ههنا وههنا لغير معاش تطلبه، ولا بعمل آخر تكسبه، أنظر بماذا تقطع يومك وليلتك، واعلم أن معك ملكا كريما، موكلا بك، يحفظ عليك ما تصنع، ويطلع على سرك الذي تخفيه من الناس، فاستحيي لا تستحقرن سيئة، فإنها ستسوؤك يوما، ولا تحقرن حسنة، وإن صغرت عندك، وقلت في عينك، فإنها ستسرك يوما، واعلم أنه ليس شئ أضر عاقبة، ولا أسرع ندامة من الخطيئة، وأنه ليس شئ أشد طلبا، ولا أسرع دركا للخطيئة من الحسنة، أما إنها لتدرك الذنب العظيم القديم المنسي عند عامله، فتجتذبه وتسقطه، وتذهب به بعد إثباته وذلك قول الله سبحانه (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين). ورووا عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أحدهما، عليهما السلام يقول: إن عليا عليه السلام، أقبل على الناس فقال: أية آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم (إن الله لا يغفر أن يشرك به) الآية. فقال: حسنة، وليست إياها. وقال بعضهم: (ومن يعمل سوءا ويظلم نفسه). قال: حسنة وليست إياها. وقال بعضهم: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) قال: حسنة وليست إياها. وقال بعضهم. (والذين إذا فعلوا فاحشة) الآية. قال: حسنة وليست إياها. قال: ثم أحجم الناس. فقال: ما لكم يا معشر المسلمين؟ فقالوا: لا والله ما عندنا شئ.
قال: سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أرجى آية في كتاب الله: (وأقم الصلاة طرفي النهار) وقرأ الآية كلها. قال: يا علي! والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا! إن أحدكم ليقوم من وضوئه، فتساقط عن جوارحه الذنوب، فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه، لم ينفتل وعليه من ذنوبه شئ، كما ولدته أمه، فإن أصاب شيئا بين الصلاتين، كان له مثل ذلك حتى عد الصلوات الخمس. ثم قال: يا علي! إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي، كنهر جار على باب أحدكم، فما يظن أحدكم لو كان في جسده درن، ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات، أكان يبقى في جسده درن؟
فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي.
وقيل: (إن الحسنات يذهبن السيئات) معناه: إن الدوام على فعل الحسنات، يدعو إلى ترك السيئات، فكأنها يذهبن بها. وقيل: إن المراد بالحسنات: التوبة، فإنها تذهب السيئات بأن تسقط عقابها، لأنه لا خلاف في أن العقاب يسقط عند التوبة (ذلك ذكرى للذاكرين) يعني: إن ما ذكره من أن الحسنات