فهو أرض. وهذا مثل الأول أو قريب منه وثالثها: إن المراد ما دامت الآخرة وهي دائمة أبدا كما أن دوام السماء والأرض في الدنيا قدر مدة بنائها، عن الحسن ورابعها: إنه لا يراد به السماء والأرض بعينها، بل المراد التبعيد، فإن للعرب ألفاظا للتبعيد في معنى التأبيد، يقولون: لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما دامت السماء والأرض، وما نبت النبت، وما أطت الإبل، وما اختلف الجرة والدرة، وما ذر شارق (1)، وفي أشباه ذلك كثرة، ظنا منهم أن هذه الأشياء لا تتغير. ويريدون بذلك التأييد لا التوقيت، فخاطبهم سبحانه بالمتعارف من كلامهم على قدر عقولهم، وما يعرفون. قال عمرو بن معد يكرب:
وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان (2) وقال زهير:
ألا لا أرى على الحوادث باقيا، ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا وإلا السماء، والنجوم، وربنا *، وأيامنا معدودة، واللياليا لأنه توهم أن هذه الأشياء لا تفنى وتخلد. وأما الكلام في الاستثناء: فقد اختلفت فيه أقوال العلماء على وجوه أحدها أنه استثناء في الزيادة من العذاب لأهل النار، والزيادة من النعيم لأهل الجنة. والتقدير: إلا ما شاء ربك من الزيادة على هذا المقدار، كما يقول الرجل لغيره: لي عليك ألف دينار إلا الألفين اللذين أقرضتكهما وقت كذا. فالألفان زيادة على الألف بغير شك، لأن الكثير لا يستثنى من القليل، عن الزجاج، والفراء، وعلي بن عيسى، وجماعة. وعلى هذا فيكون (إلا) بمعنى سوى أي: سوى ما شاء ربك، كما يقال ما كان معنا رجل إلا زيد أي: سوى زيد. وثانيها: ان الاستثناء واقع على مقامهم في المحشر والحساب، لأنهم حينئذ ليسوا في جنة، ولا نار، ومدة كونهم في البرزخ الذي هو ما بين الموت والحياة، لأنه تعالى لو قال خالدين فيها أبدا، ولم يستثن، لظن الظان أنهم يكونون