ههنا على بابه، والاستثناء من الزمان، والاستثناء في الأول من الأعيان.
والذين شقوا على هذا القول هم الذي سعدوا بأعيانهم. وإنما أجرى عليهم كل لفظ في الحال التي تليق به. فإذا أدخلوا النار وعوقبوا فيها فهم من أهل الشقاء. وإذا نقلوا منها إلى الجنة، فهم من أهل السعادة. وهذا قول ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وقتادة، والسدي، والضحاك، وجماعة من المفسرين.
وروى أبو ورق عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الذين شقوا ليس فيهم كافر، وإنما هم قوم من أهل التوحيد، يدخلون النار بذنوبهم، ثم يتفضل الله عليهم، فيخرجهم من النار إلى الجنة، فيكونون أشقياء في حال، سعداء في حال أخرى.
وقال قتادة: الله أعلم بمشيئته ذكر لنا أن ناسا يصيبهم سفع (1) من النار بذنوبهم، ثم يدخلهم الله الجنة برحمته، يسمون الجهنميين، وهم الذين أنفذ فيهم الوعيد ثم أخرجوا بالشفاعة. قال: وحدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يخرج قوم من النار قال ولا نقول ما يقوله أهل (حروراء). وهذا القول هو المختار المعول عليه.
وسادسها أن تعليق ذلك بالمشيئة على سبيل التأكيد للخلود والتبعيد للخروج، لأن الله تعالى لا يشاء إلا تخليدهم على ما حكم به، فكأنه تعليق لما لا يكون بما لا يكون، لأنه لا يشاء أن يخرجهم منها وسابعها: ما قاله الحسن: إن الله سبحانه استثنى، ثم عزم بقوله (إن ربك فعال لما يريد) أنه أراد أن يخلدهم. وقريب منه ما قاله الزجاج وغيره: إنه استثناء تستثنيه العرب وتفعله، كما تقول والله لأضربن زيدا إلا أن أرى غير ذلك، وأنت عازم على ضربه. والمعنى في الاستثناء على هذا أني لو شئت أن لا أضربه لفعلت. وثامنها: قال يحيى بن سلام البصري: إنه يعني بقوله (إلا ما شاء ربك) ما سبقهم به الذين دخلوا قبلهم من الفريقين، واحتج بقوله تعالى (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) قال: إن الزمرة تدخل بعد الزمرة، فلا بد أن يقع بينهما تفاوت في الدخول. والاستثناء أن على هذا من الزمان. وتاسعها: إن المعنى: خالدون في النار، دائمون فيها مدة كونهم في القبور، ما دامت السماوات والأرض في الدنيا. وإذا فنيتا وعدمتا، انقطع عقابهم إلى أن يبعثهم الله للحساب. وقوله (إلا ما شاء ربك): استثناء وقع على ما