العمي. وكلا الوجهين حسن. وأما قوله: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) فمعناه أنهم لا يسألون عن ذنوبهم للتعرف من حيث إن الله سبحانه علم أعمالهم، وإنما يسألون سؤال توبيخ وتقريع وتقرير، لإيجاب الحجة عليهم، كما في قوله:
(وقفوهم إنهم مسؤولون) فأثبت سبحانه سؤال التقريع في آية، ونفى سؤال التعرف والاستعلام في أخرى فلا تناقض.
وقوله (فمنهم شقي وسعيد) إخبار منه سبحانه بأنهم قسمان: أشقياء وهم المستحقون للعقاب. وسعداء وهم المستحقون للثواب. والشقاء: قوة أسباب البلاء. والسعادة: قوة أسباب النعمة. والشقي: من شقي بسوء عمله في معصية الله والسعيد: من سعد بحسن عمله في طاعة الله. والضمير في قوله (فمنهم) يعود إلى الناس في قوله (ذلك يوم مجموع له الناس). وقيل: إنه يعود إلى (نفس) في قوله (لا تكلم نفس إلا بإذنه) لأن النفس اسم الجنس (فأما الذين شقوا ففي النار) يعني أن الذين شقوا باستحقاقهم العذاب جزاء على أعمالهم القبيحة، داخلون في النار.
وإنما وصفوا بالشقاوة قبل دخولهم النار، لأنهم على حال تؤديهم إلى دخولها.
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: الشقي من شقي في بطن أمه: فإن المراد بذلك أن المعلوم من حاله أنه سيشقى بارتكاب القبائح التي تؤديه إلى عذاب النار، كما يقال لابن الشيخ الهرم: إنه يتيم بمعنى أنه سييتم. (لهم فيها زفير وشهيق) قال الزجاج: الزفير والشهيق من أصوات المكروبين المحزونين. والزفير:
من شديد الأنين وقبيحه بمنزلة ابتداء صوت الحمار. والشهيق: الأنين الشديد المرتفع جدا بمنزلة آخر صوت الحمار. وعن ابن عباس قال: يريد ندامة. ونفسا عاليا، وبكاء لا ينقطع.
(خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) اختلف العلماء في تأويل هذا في الآيتين وهما من المواضع المشكلة في القرآن، والإشكال فيه من وجهين أحدهما: تحديد الخلود بمدة دوام السماوات والأرض. والآخر: معنى الاستثناء بقوله (إلا ما شاء ربك) فالأول فيه أقوال: أحدها: إن المراد ما دامت السماوات والأرض مبدلتين أي: ما دامت سماء الآخرة وأرضها، وهما لا يفنيان إذا أعيدا بعد الإفناء، عن الضحاك، والجبائي. وثانيها: إن المراد ما دامت سماوات الجنة والنار وأرضهما، وكل ما علاك فأظلك فهو سماء. وكل ما استقر عليه قدمك