وليس في الآية معنى نفي، ولا طلب. فإن قال قائل: لمن ما فأدغم النون في الميم، بعد ما قلبها ميما، فإن ذلك لا يسوغ. ألا ترى أن الحرف المدغم إذا كان قبله ساكن، نحو: قوم مالك، لم يقو الإدغام فيه على أن يحرك الساكن الذي قبل الحرف المدغم. فإذا لم يجز ذلك فيه، وكان التغيير أسهل من الحذف، فإن لا يجوز الحذف الذي هو أذهب في باب التغيير من تحريك الساكن أجدر. على أن في هذه السورة ميمات اجتمعت في الإدغام، أكثر مما كان يجتمع في لمن ما، ولم يحذف منها شئ، وذلك قوله: (على أمم ممن معك). فإذا لم يحذف شئ من هذا فإن لا يحذف، ثم أجدر. وقد روي أنه قد قرأ، (وان كلا لما) منونا كما قال: (وتأكلون التراث أكلا لما) فوصف بالمصدر. فإن قال إن لما فيمن ثقل: إنما هو لما هذه وقف عليها بالألف، ثم أجري في الوصل مجرى الوقف. فذلك مما يجوز في الشعر، ووجه الإشكال فيه أبين من هذا الوجه. وقد حكي عن الكسائي أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل في لما ولم يبعد فيما. قال: ولو خفف مخفف أن، ورفع كلا بعدها، لجاز تثقيل لما مع ذلك، على أن يكون المعنى ما كل إلا ليوفينهم فيكون ذلك كقوله (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) ولكان ذلك أبين من النصب في كل والتثقيل للما. وينبغي أن يقدر المضاف إليه كل نكرة، ليحسن وصفه بالنكرة، ولا يقدر إضافته إلى معرفة، فيمتنع أن يكون لما وصفا له، ولا يجوز أن يكون حالا، لأنه لا شئ في الكلام عاملا في الحال. هذا كله كلام أبي علي. وقال غيره: في معنى (لما) بالتشديد أربعة أوجه أحدها: قول الفراء إنها بمعنى لمن ما، فحذفت إحدى الميمات الثلاث على ما تقدم ذكره، وأنشد الفراء:
وإني لما أصدر الأمر وجهه إذا هو أعيا بالسبيل مصادره والثاني: إنها بمعنى إلا، كقولهم: سألتك لما فعلت، بمعنى إلا فعلت، عن الزجاج. وقال الفراء: هذا لا يجوز إلا في اليمين، كما قاله أبو علي. والثالث:
إنها مخففة شددت للتأكيد، عن المازني. قال الزجاج: هذا لا يجوز لأنه إنما يجوز تخفيف المشدد عند الضرورة. فأما تشديد المخفف، فلا يجوز بحال والرابع: إنها من لممت الشئ: إذا جمعته، إلا أنها بنيت على فعلى، فلم تصرف مثل تترى.
فكأنه قال: وإن كلا جميعا ليوفينهم. ويدل عليه قراءة الزهري: لما بالتنوين. وقال ابن جني: تقديره هذا وان كلا ليوفينهم ربك أعمالهم لما أي: توفية جامعة لأعمالهم