والعين ساكنة علن أطلائها * عوذا تأجل بالفضاء بهامها (1) أي تتأجل. وعطاء: منصوب بما دل الكلام عليه، فكأنه قال: أعطاهم النعيم عطاء.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن اليوم المشهود، وهو يوم القيامة، فقال: (وما نؤخره) أي: وما نؤخر هذا اليوم (إلا لأجل معدود) وهو أجل قد عده الله تعالى لعلمه أن صلاح الخلق في إدامة التكليف عليهم إلى ذلك الوقت. وفيه إشارة إلى قربه لأن ما يدخل تحت العد فكأن قد نفد. وإنما قال: (لأجل)، ولم يقل: إلى أجل، لأن اللام يدل على الغرض، وان الحكمة اقتضت تأخيره وإلا، لا يدل على ذلك (يوم يأت) أي حين يأتي القيامة والجزاء (لا تكلم نفس إلا بإذنه) أي: لا يتكلم أحد فيه إلا بإذن الله تعالى وأمره، ومعناه: أنه لا يتكلم فيه إلا بالكلام الحسن المأذون فيه، لأن الخلق ملجأون هناك إلى ترك القبائح، فلا يقع منهم فعل القبيح.
وأما ما هو غير قبيح، فإنه مأذون فيه، عن الجبائي. والأظهر أن يقال: معناه إنه لا يتكلم أحد في الآخرة بكلام نافع من شفاعة ووسيلة، إلا بإذنه. فإن قيل: كيف يجمع بين هذه الآية وبين قوله: (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون)، وقوله: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) على أنه سبحانه قال في موضع آخر: (وقفوهم إنهم مسؤولون)، وهل هذا إلا ظاهر التناقض؟ فالجواب: إن يوم القيامة يشتمل على مواقف قد أذن لهم في الكلام في بعض تلك المواقف، ولم يؤذن لهم في الكلام في بعضها، عن الحسن. وقيل: إن معنى قوله (لا ينطقون) أنهم لا ينطقون لحجة، وإنما يتكلمون بالإقرار بذنوبهم، ولوم بعضهم بعضا، وطرح بعضهم الذنوب على بعض. وهذا كما يقول القائل لمن تكلم بكلام كثير فارغ عن الحجة:
ما تكلمت بشئ، ولا نطقت بشئ. فسمي من يتكلم بما لا حجة فيه: غير متكلم، كما قال سبحانه: (صم بكم عمي) وهم كانوا يسمعون ويتكلمون ويبصرون، إلا أنهم في أنهم لا يقبلون الحق، ولا يتأملون، بمنزلة الصم البكم