وأما من قال (سلم) فإن سلما يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون بمعنى سلام، فيكون المعنى أمرنا سلم، أو سلم عليكم، ويكون سلم في الآية بمعنى سلام، كقولهم حل وحلال، وحرم وحرام. فيكون على هذا قراءة من قرأ سلام وسلم بمعنى واحد، وإن اختلف اللفظان. والآخر: أن يكون سلم خلاف العدو والحرب، لأنهم لما كفوا عن تناول ما قدمه إليهم فنكرهم، وأوجس الخيفة منهم، قال: أنا سلم ولست بحرب، ولا عدو، فلا تمتنعوا من تناول طعامي، كما يمتنع من تناول طعام العدو، ومن قرأ: (ومن وراء إسحاق يعقوب) بالرفع. كان رفعه بالابتداء، أو بالظرف في قول من رفع به. ومن فتح فقال (يعقوب) احتمل ثلاثة اضرب أحدها: أن يكون (يعقوب) في موضع جر أي: فبشرناها بإسحاق ويعقوب. قال أبو الحسن. وهذا أقوى لأنها بشرت بهما. قال: وفي إعمالها ضعف، لأنك فصلت بين الجار والمجرور بالظرف. والآخر: أن تحمله على موضع الجار والمجرور، كقوله إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا. وكقراءة من قرأ وحورا عينا بعد (يطاف عليهم) بكذا. ومثله: (ولسنا بالجبال ولا الحديدا) والثالث: أن يحمل على فعل مضمر، كأنه قال: فبشرناها بإسحاق، ووهبنا له يعقوب. فأما الأول: فقد نص سيبويه على فتح مثله نحو مررت بزيد أول من أمس، وأمس عمرو وكذلك قال أبو الحسن، لو قلت مررت بزيد اليوم وأمس عمرو، لم يحسن. وأما الحمل على الموضع على حد مررت بزيد وعمرو، فالفعل فيه أيضا قبيح، كما قبح الحمل على الجر، وذلك أن الفعل يصل بحرف العطف، وحرف العطف هو الذي يشرك في الفعل، وبه يصل الفعل إلى المفعول به، كما يصل بحرف الجر. ولو قال: مررت بزيد قائما، بجعل الحال من المجرور، لم يجز التقديم عند سيبويه، لأن الجار هو الموصل للفعل. فكما قبح التقديم عنده لضعف الجار العامل، كذلك الحرف العاطف مثل الجار في أنه يشرك في الفعل، كما يوصل الجار الفعل، وليس نفس الفعل العامل في الموضعين جميعا. وإذا كان كذلك قبح الفصل بالظرف في العطف على الموضع، وقبح أيضا الفصل في الرفع والنصب، كما قبح في الجر، لأن العاطف فيهما مثله في الجار، وليس العامل في نفس الرافع والناصب. كما أن العامل فيما بعد حرف العطف، ليس الجار، إنما يشركه فيه العاطف. وقد جاء ذلك في الشعر قال الأعشى:
(٣٠٢)