والمعنى: لسنا نقول فيك إلا أنه أصابك بعض آلهتنا بسوء، فخبل عقلك لشتمك لها، وسبك إياها. ذهب إليه ابن عباس، ومجاهد (قال) أي: قال هود لقومه (إني أشهد الله واشهدوا) أي: وأشهدكم أيضا بعد إشهاد الله (أني برئ مما تشركون من دونه) أي: إن كنتم تزعمون أن آلهتكم عاقبتني لطعني عليها، فإني على بصيرة في البراءة مما تشركونه مع الله من آلهتكم التي تزعمون أنها أصابتني بسوء، وإنما أشهدهم على ذلك وإن لم يكونوا أهل شهادة، من حيث كانوا كفارا فساقا، إقامة للحجة عليهم، لا لتقوم الحجة بهم، فقال هذا القول إعذارا وإنذارا.
وقيل: إنه أراد بقوله اشهدوا واعلموا كما قال شهد الله أي: علم الله.
(فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون) أي: فاحتالوا واجتهدوا أنتم وآلهتكم في إنزال مكروه بي، ثم لا تمهلوني. قال الزجاج: وهذا من أعظم آيات الأنبياء، أن يكون الرسول وحده، وأمته متعاونة عليه، فيقول لهم: كيدوني فلا يستطيع واحد منهم ضره. وكذلك قال نوح لقومه: (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) الآية. وقال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: فإن كان لكم كيد فكيدون. ومثل هذا القول لا يصدر إلا عمن هو واثق بنصر الله، وبأنه يحفظه عنهم، ويعصمه منهم. ثم ذكر هود عليه السلام هذا المعنى.
فقال: (إني توكلت على الله ربى وربكم) أي: فوضت أمري إلى الله سبحانه متمسكا بطاعته، تاركا لمعصيته. وهذا هو حقيقة التوكل على الله سبحانه (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها) أي: ما من حيوان يدب على وجه الأرض، إلا وهو مالك لها، يصرفها كيف يشاء، ويقهرها، وجعل الأخذ بالناصية كناية عن القهر والقدرة، لأن من أخذ بناصية غيره، فقد قهره وأذله.
(إن ربي على صراط مستقيم) أي: إنه سبحانه مع كونه قاهرا على عدل فيما يعامل به عباده، والمعنى أنه يعدل ولا يجور. وقيل: معناه إن ربي في تدبير عباده على طريق مستقيم، لا عوج فيه، ولا اضطراب، فهو يجري على سبيل الصواب، ويفعل ما يقتضيه الحكمة (فإن تولوا) هذا حكاية عما قاله هود عليه السلام لقومه والمعنى:
فإن تتولوا. ويجوز أن يكون حكاية عما قاله سبحانه لهود، والمعنى: فإن تولوهم (ف) قل لهم (قد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم) أي: ليس ذلك لتقصير مني في إبلاغكم، وإنما هو لسوء اختياركم في إعراضكم عن نصحي، فقد أبلغتكم جميع ما أوحي إلي.