أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) مر بيانه فيما قبل (وآتاني منه رحمة) أي:
وأعطاني الله منه نعمة، وهي النبوة (فمن ينصرني من الله إن عصيته) أي: فمن يمنع عذاب الله عني إن عصيته مع نعمته علي.
(فما تزيدونني غير تخسير) أي: ما تزيدونني بقولكم (أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا) غير نسبتي إياكم إلى الخسارة. والتخسير: مثل التفسيق والتفجير، قال ابن الأعرابي: يريد غير تخسير لكم، لا لي. وقال ابن عباس: ما تزيدونني إلا بصيرة في خسارتكم. وقيل: معناه إن أجبتكم إلى ما تدعونني إليه كنت بمنزلة من يزداد الخسران (ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية) أشار إلى ناقته التي جعلها الله معجزته، لأنه سبحانه أخرجها لهم من جوف صخرة يشاهدونها على تلك الصفة، وخرجت كما طلبوه وهي حامل، وكانت تشرب يوما جميع الماء فتنفرد به، ولا ترد الماء معها دابة، فإذا كان يوم لا ترد فيه وردت الواردة كلها الماء، وهذا أعظم آية ومعجزة.
وانتصب (آية) على الحال من (ناقة الله) فكأنه قال انتبهوا إليها في هذه الحال، والمعنى: إن شككتم في نبوتي، فهذه الناقة معجزة لي. وأضافها إلى الله تشريفا لها كما يقال بيت الله. (فذروها تأكل في أرض الله) أي: فاتركوها في حال أكلها، فتكون (تأكل في أرض الله) جملة منصوبة الموضع على الحال، ويجوز أن يكون مرفوعا على الاستئناف، والمعنى: فإنها تأكل في أرض الله من العشب، والنبات (ولا تمسوها) أي: لا تصيبوها (بسوء) قتل، أو، جرح، أو غيره (فيأخذكم) إن فعلتم ذلك (عذاب قريب) أي: عاجل فيهلككم. (فعقروها) أي: عقرها بعضهم، ورضي به البعض، وإنما عقرها أحمر ثمود، وضربت به العرب المثل في الشؤم (فقال) صالح:
(تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) أي: تلذذوا بما تريدون من المدركات الحسنة، من المناظر والأصوات، وغيرها مما يدرك بالحواس، في بلادكم، ثلاثة أيام، ثم يحل بكم العذاب بعد ذلك. ويقال للبلاد دار، لأنها تجمع أهلها، كما تجمع الدار أهلها، ومنه قولهم ديار ربيعة، وديار مضر. وقيل: في داركم يعني دار الدنيا.
وقيل: معنى قوله (تمتعوا في داركم) عيشوا في بلدكم. وعبر عن الحياة بالتمتع، لأن الحي يكون متمتعا بالحواس. قالوا: لما عقرت الناقة، صعد فصيلها الجبل، ورغا ثلاث مرات، فقال صالح: لكل رغوة أجل يوم، فاصفرت ألوانهم أول يوم،