ثم احمرت في الغد، ثم اسودت اليوم الثالث، فهو قوله (ذلك وعد غير مكذوب) أي: إن ما وعدتكم به من العذاب ونزوله بعد ثلاثة أيام، وعد صدق لا كذب فيه.
وروى جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لما نزل الحجر في غزوة تبوك، قام فخطب الناس، وقال: يا أيها الناس! لا تسألوا نبيكم الآيات، فهؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث لهم الناقة، وكانت ترد من ذا الفج، فتشرب ماءهم يوم ورودها، ويحلبون من لبنها مثل الذي كانوا يشربون من مائها يوم غبها (1). فعتوا عن أمر ربهم، فقال: (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) وكان وعدا من الله غير مكذوب، ثم جاءتهم الصيحة، فأهلك الله من كان في مشارق الأرض ومغاربها منهم، إلا رجلا كان في حرم الله، فمنعه حرم الله من عذاب الله تعالى، يقال له أبو رغال. قيل له: يا رسول الله! من أبو رغال؟ قال: أبو ثقيف.
(فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا) مر تفسيره في قصة عاد (ومن خزي يومئذ) قال ابن الأنباري: هذا معطوف على محذوف، تقديره نجيناهم من العذاب، ومن خزي يومئذ أي: من الخزي الذي لزمهم ذلك اليوم.
والخزي: العيب الذي تظهر فضيحته، ويستحي من مثله. (إن ربك هو القوي) أي: القادر على ما يشاء (العزيز) الذي لا يمتنع عليه شئ، ولا يمنع عما أراده (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) قيل: إن الله سبحانه أمر جبرائيل فصاح بهم صيحة ماتوا عندها. ويجوز أن يكون الله تعالى خلق تلك الصيحة التي ماتوا عندها.
(فأصبحوا في ديارهم) أي: منازلهم (جاثمين) أي: ميتين واقعين على وجوههم. ويقال: جاثمين أي: قاعدين على ركبهم. وإنما قال: (فأصبحوا) لأن العذاب أخذهم عند الصباح. وقيل: أتتهم الصيحة ليلا، فأصبحوا على هذه الصفة. والعرب تقول عند الأمر العظيم: واسوء صباحاه! (كأن لم يغنوا فيها) أي: كأن لم يكونوا في منازلهم قط، لانقطاع آثارهم بالهلاك، إلا ما بقي من أجسادهم الدالة على الخزي الذي نزل بهم (ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود) قد سبق تفسيره.