المعنى: ثم ذكر سبحانه قصة إبراهيم، ولوط فقال سبحانه: (ولقد جاءت رسلنا) يعني الملائكة، وإنما دخلت اللام لتأكيد الخبر. ومعنى (قد) ههنا أن السامع لقصص الأنبياء يتوقع قصة بعد قصة، و (قد) للتوقع، فجاءت لتؤذن أن السامع في حال توقع. واختلف في عدد الرسل فقيل: كانوا ثلاثة: جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، عن ابن عباس. وقيل: كانوا أربعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: والرابع اسمه كروبيل. وقيل: كانوا تسعة، عن الضحاك. وقيل: أحد عشر، عن السدي وكانوا على صور الغلمان أتوا (إبراهيم) الخليل عليه السلام (بالبشرى) أي: بالبشارة بإسحاق ونبوته، وانه يولد له يعقوب، عن الحسن، والسدي، والجبائي، وروي عن أبي جعفر عليه السلام أن هذه البشارة كانت بإسماعيل عليه السلام من هاجر. وقيل: البشارة بهلاك قوم لوط.
(قالوا سلاما) هذه حكاية ما قال رسل الله تعالى لإبراهيم عليه السلام أي: سلمنا سلاما بمعنى الدعاء له. وقيل: معناه أصبت سلاما إذا أعطاك الله سلاما أي سلامة، كما يقال أهلا ومرحبا، وكان تحية من الملائكة لإبراهيم عليه السلام ف (قال) إبراهيم مجيبا لهم: (سلام) وقد مر تفسيره (فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) أي: لم يتوقف حتى جاءهم على عادته في إكرام الأضياف، وتقديم الطعام إليهم، بعجل مشوي، لأنه توهم أنهم أضياف لكونهم على صورة البشر. وكان إبراهيم يحب الضيفان، فجاؤوه على أحسن الوجوه إليه، وصار لذلك من السنة أن يعجل للضيف الطعام.
وقيل: إن معنى حنيذ: نضيج بالحجارة المحماة في خد من الأرض، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. وقيل: إن الحنيذ ما حفرت له في الأرض، ثم غممته، وهو فعل أهل البادية، عن الفراء. وقيل: حنيذ: مشوي يقطر ماؤه، عن ابن عطية.
(فلما رأى) إبراهيم (أيديهم) يعني أيدي الملائكة (لا تصل إليه) أي: إلى العجل (نكرهم) أي: أنكرهم (وأوجس منهم خيفة) أي: أضمر منهم خوفا.
واختلف في سبب الخوف فقيل إنه، لما رآهم شبانا أقوياء، وكان ينزل طرفا من البلد، وكانوا يمتنعون من تناول طعامه، لم يأمن أن يكون ذلك لبلاء، وذلك أن أهل ذلك الزمان، إذا أكل بعضهم طعام بعض، أمنه صاحب الطعام على نفسه وماله. ولهذا يقال: تحرم فلان بطعامنا أي: أثبت الحرمة بيننا بأكله الطعام. وقيل: إنه ظنهم