الضحاك: كانوا إذا أرادوا أن تجري السفينة قالوا: بسم الله مجراها، فجرت، وإذا أرادوا أن تقف السفينة قالوا بسم الله مرساها، فوقفت.
(إن ربي لغفور رحيم) هذا حكاية عما قاله نوح لقومه، ووجه اتصاله بما قبله، أنه لما ذكرت النجاة بالركوب في السفينة، ذكرت النعمة بالمغفرة والرحمة، لتجتلبا بالطاعة، كما اجتلبت النجاة بركوب السفينة (وهي تجري بهم في موج كالجبال) معناه: إن السفينة كانت تجري بنوح ومن معه على الماء، في أمواج كالجبال في عظمها وارتفاعها. ودل بتشبيهها بالجبال على أن ذلك لم يكن موجا واحدا، بل كان كثيرا. وروي عن الحسن أن الماء ارتفع فوق كل شئ، وفوق كل جبل، ثلاثين ذراعا. وقال غيره: خمسة عشر ذراعا. وقيل: إن سفينة نوح سارت لعشر مضين من رجب، فسارت ستة أشهر حتى طافت الأرض كلها، لا تستقر في موضع حتى أتت الحرم، فطافت بموضع الكعبة أسبوعا، وكان الله سبحانه رفع البيت إلى السماء، ثم سارت بهم حتى انتهت إلى (الجودي) وهو جبل بأرض الموصل، فاستقرت عليه اليوم العاشر من المحرم. وروى أصحابنا: عن أبي عبد الله عليه السلام أن نوحا ركب السفينة في أول يوم من رجب، فصام وأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم، وقال: من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة (ونادى نوح ابنه) كنعان، وقيل: إن اسمه يام (وكان في معزل) أي: في قطعة من الأرض غير القطعة التي كان نوح فيها حين ناداه. وقيل: معناه كان في ناحية من دين أبيه أي: قد اعتزل دينه، وكان نوح يظن أنه مسلم، فلذلك دعاه. وقيل: كان في معزل من السفينة (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) دعا ابنه إلى أن يركب معه في السفينة ليسلم من الغرق. قال الحسن: كان ينافق أباه، فلذلك دعاه. وقال أبو مسلم: دعاه بشرط الإيمان، ومعناه يا بني آمن بالله، ثم اركب معنا، ولا تكن على دين الكافرين. وعلى القول الأول يكون معناه: لا تتخلف مع الكافرين فتغرق معهم فأجابه ابنه:
(قال سآوي إلى جبل) أي: سأرجع إلى مأوى من جبل (يعصمني من الماء) أي: يمنعني من آفات الماء (قال) نوح (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) أي: لا مانع، ولا دافع اليوم من عذاب الله، إلا من رحمه الله بإيمانه، فآمن بالله يرحمك الله (وحال بينهما الموج فكان) أي: فصار (من المغرقين).