عن قتادة وخامسها: ان فار التنور معناه اشتد غضب الله عليهم، ووقعت نقمته بهم، كما تقول العرب حمي الوطيس: إذا اشتد الحرب، وفار قدر القوم: إذا اشتد حربهم، قال الشاعر:
تفور علينا قدرهم فنذيمها * ونفثأها عنا إذا حميها غلا (1) يريد بالقدر الحرب. ونذيمها: نسكنها. وهذا أبعد الأقوال من الأثر، وحمل الكلام على الحقيقة التي تشهد بها الرواية أولى (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) أي: قلنا لنوح عليه السلام لما فار الماء من التنور: إحمل في السفينة من كل جنس من الحيوان زوجين أي: ذكر وأنثى، وقد ذكرنا المعنى في حجة القراءتين (وأهلك) أي: واحمل أهلك وولدك (إلا من سبق عليه القول) أي: من سبق الوعد بإهلاكه، والإخبار بأنه لا يؤمن، وهي امرأته الخائنة، واسمها واغلة، وابنها كنعان (ومن آمن) أي: واحمل فيها من آمن بك من غير أهلك.
ثم أخبر سبحانه فقال (وما آمن معه إلا قليل) أي: إلا نفر قليل، وهم ثمانون إنسانا في قول الأكثرين. وقيل: اثنان وسبعون رجلا وامرأة، وبنوه الثلاثة ونساؤهم، فهم ثمانية وسبعون نفسا. وحمل معه جسد آدم عليه السلام عن مقاتل. وقيل: عشرة أنفس عن ابن إسحاق. وقيل: ثمانية أنفس، عن ابن جريج، وقتادة، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام. وقيل: سبعة أنفس عن الأعمش، وكان فيهم بنوه الثلاثة:
سام، وحام، ويافث، وثلاث كنائن لهم. فالعرب، والروم، وفارس، وأصناف العجم، ولد سام، والسودان من الحبش والزنج وغيرهم ولد حام. والترك والصين، والصقالبة، ويأجوج ومأجوج، ولد يافث.
(وقال اركبوا فيها) أي: وقال نوح لمن آمن معه: اركبوا في السفينة. وفي الكلام حذف تقديره فلما فار التنور، ووقف نوح على ما دله الله عليه من هلاك الكفار، قال لأهله وقومه: اركبوا فيها (بسم الله مجراها ومرساها) أي: متبركين باسم الله، أو قائلين بسم الله وقت إجرائها، ووقت ارسائها أي: إثباتها وحبسها.
وقيل: معناه بسم الله إجراؤها وإرساؤها، وقد ذكرنا تفسيره في الحجة. وقال