المعنى: ثم حكى سبحانه تمام قصة نوح عليه السلام، فقال: (ونادى نوح ربه) نداء تعظيم، ودعاء (فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق) معناه: يا مالكي، وخالقي، ورازقي! وعدتني بتنجية أهلي، وان ابني من أهلي، وإن وعدك الحق لا خلف فيه، فنجه إن كان ممن وعدتني بنجاته (وأنت أحكم الحكمين) في قولك، وفعلك (قال) الله سبحانه (يا نوح إنه ليس من أهلك) وقد قيل في معناه أقوال:
أحدها أنه كان ابنه لصلبه، والمعنى أنه ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم معك، لأن الله سبحانه قد استثنى من أهله لذين وعده أن ينجيهم من أراد إهلاكهم بالغرق، فقال: (إلا من سبق عليه القول) عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والضحاك، وعكرمة، واختاره الجبائي. وثانيها أن المراد بقوله (ليس من أهلك) أنه ليس على دينك، فكأن كفره أخرجه عن أن يكون له أحكام أهله، عن جماعة من المفسرين. وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: سلمان منا أهل البيت، وإنما أراد على ديننا.
وروى علي بن مهزيار عن الحسن بن علي الوشا، عن الرضا عليه السلام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تعالى قال لنوح (إنه ليس من أهلك) لأنه كان مخالفا له، وجعل من اتبعه من أهله. ويؤيد هذا التأويل أن الله سبحانه قال على طريق التعليل:
(إنه عمل غير صالح) فبين أنه إنما خرج عن أحكام أهله لكفره وسوء عمله. وروي عن عكرمة أنه قال: كان ابنه، ولكنه كان مخالفا له في العمل والنية، فمن ثم قيل (إنه ليس من أهلك) وثالثها: إنه لم يكن ابنه على الحقيقة، وإنما ولد على فراشه، فقال عليه السلام: إنه ابني، على ظاهر الأمر، فأعلمه الله تعالى أن الأمر بخلاف الظاهر، ونبهه على خيانة امرأته، عن الحسن، ومجاهد. وهذا الوجه بعيد من حيث إن فيه منافاة القرآن، لأنه تعالى قال: (ونادى نوح ابنه) ولأن الأنبياء يجب أن ينزهوا عن مثل هذه الحال، لأنها تعير وتشين، وقد نزه الله أنبياءه عما دون ذلك، توقيرا لهم، وتعظيما عما ينفر من القبول منهم. وروي عن ابن عباس أنه قال: ما زنت امرأة نبي قط، وكانت الخيانة من امرأة نوح أنها كانت تنسبه إلى الجنون، والخيانة من امرأة لوط أنها كانت تدل على أضيافه ورابعها: إنه كان ابن امرأته، وكان ربيبه، ويعضده قراءة من قرأ (ابنه) بفتح الهاء، وابنها، والمعتمد المعول عليه في تأويل