المعنى: ثم حكى الله سبحانه جواب قوم نوح عما قاله لهم، فقال: (قالوا يا نوح قد جادلتنا) أي: خاصمتنا، وحاججتنا (فأكثرت جدالنا) أي: زدت في مجادلتنا على مقدار الكفاية. وفي بعض الروايات عن ابن عباس: (فأكثرت جدالنا) والمعنى واحد (فأتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت من الصادقين) في أن الله تعالى يعذبنا على الكفر أي: فلسنا نؤمن بك، ولا نقبل منك (قال) نوح (إنما يأتيكم به الله إن شاء) أي: لا يأتي بالعذاب إلا الله سبحانه متى شاء، لا يقدر عليه غيره، فإن شاء عجل وإن شاء أخر (وما أنتم بمعجزين) أي: لا تفوتونه بالهرب.
(ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) ذكر في تأويله وجوه أحدها: إن كان الله يريد أن يخيبكم من رحمته، بأن يحرمكم ثوابه، ويعاقبكم لكفركم به، فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم. وقد سمى الله سبحانه العقاب غيا بقوله: (فسوف يلقون غيا) ويشهد بصحة ما قلنا، قول الشاعر:
فمن يلق خيرا، يحمد الناس أمره، ومن يغو، لا يعدم على الغي لائما ولما خيب الله سبحانه قوم نوح من رحمته وثوابه، وأعلم الله نوحا عليه السلام بذلك في قوله (لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) قال لهم: لا ينفعكم نصحي مع ايثاركم ما يوجب خيبتكم، والعذاب الذي جره إليكم قبيح أفعالكم. وإذا طرأ شرط على شرط، كان الثاني مقدما على الأول في المعنى، وإن كان مؤخرا في اللفظ.
والتقدير: ولا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم، إن أردت أن أنصح لكم. وثانيها: إن المعنى إن كان الله يريد عقوبة اغوائكم الخلق، واضلالكم إياهم أي: يريد عقوبتكم على ذلك. ومن عادة العرب أن تسمي العقوبة باسم الشئ المعاقب عليه، كما في قوله سبحانه: (وجزاء سيئة سيئة مثلها ومكروا ومكر الله والله يستهزئ بهم) وقد مر فيما مضى أمثال ذلك وثالثها: ان معناه إن كان الله يريد أن يهلككم، فلا ينفعكم نصحي عند نزول العذاب بكم، وإن قبلتم قولي، وآمنتم، لأن الله تعالى حكم بأن لا يقبل الإيمان عند نزول العذاب، عن الحسن. وقد حكي عن العرب أنهم قالوا: أغويت فلانا بمعنى أهلكته. ويقال: غوي الفصيل: إذا فسد من كثرة شرب اللبن. ورابعها: إن قوم نوح كانوا يعتقدون أن الله تعالى يضل عباده عن الدين، وأن ما هم عليه بإرادة الله، ولولا ذلك لغيره، وأجبرهم على خلافه،