والمعنى احمل من الأزواج إذا كانت اثنين اثنين زوجين، فالزوجان في قوله: (من كل زوجين) يراد بهما الشياع، وليس يراد بهما الناقص عن الثلاثة، ومثل ذلك قول الشاعر:
فاعمد لما يعلو فما لك بالذي لا تستطيع من الأمور يدان إنما يريد: تشديد انتفاء قوته عنه، وتكثيره. ويبين هذا المعنى قول الفرزدق:
وكل رفيقي كل رحل، وإن هما تعاطى القنا قوما هما أخوان (1) فرفيقان اثنان لا يكونان رفيقي كل رحل، وإنما يريد الرفقاء إذا كانوا رفيقين.
ومن نون فقال: (من كل زوجين) فحذف المضاف إليه من كل، ونون: فالمعنى من كل شئ، ومن كل زوج زوجين اثنين، فيكون انتصاب اثنين على أنه صفة لزوجين. فإن قلت: فالزوجان قد فهم انهما اثنان، فكيف جاز وصفهما بقوله (اثنين): فإنما جاز ذلك للتأكيد والتشديد، كما قال: (لا تتخذوا إلهين اثنين) وقد جاء في غير هذا من الصفات ما مصرفه إلى التأكيد كقولهم: أمس الدابر، ونفخة واحدة، ونعجة واحدة. قال: (ومناة الثالثة الأخرى) قال أبو علي: ويجوز في قوله: (بسم الله مجراها ومرساها) أن يكون حالا من شيئين من الضمير الذي في قوله اركبوا، ومن الضمير الذي في فيها، فإن جعلت قوله (بسم الله) خبر مبتدأ مقدما في قول من لم يرفع بالظرف، أو جعلت قوله (مجراها) مرتفعا بالظرف، لم يكن قوله (بسم الله مجراها) إلا جملة في موضع الحال من الضمير الذي في فيها.
ولا يجوز أن يكون من الضمير الذي في قوله (اركبوا) لأنه لا ذكر فيها يرجع إلى الضمير. ألا ترى أن الظرف في قول من رفع بالظرف، قد ارتفع به الظاهر، وفي قول من رفع في هذا النحو بالابتداء، قد جعل في الظرف ضمير المبتدأ. فإذا كان كذلك خلت الجملة من ذكر يعود إلى ذي الحال من الحال. وإذا خلا من ذلك لم يكن إلا حالا من الضمير الذي في (فيها).
ويجوز أن يكون (بسم الله) حالا من الضمير الذي في قوله (اركبوا) على أن لا يكون الظرف خبرا عن الاسم الذي هو (مجراها) على ما كان في الوجه الأول.
ويكون حالا من الضمير على حد قولك: خرج بثيابه، وركب في سلاحه،