وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك، والرغبة إليه في توفيقك، وترك كل شائبة أولجتك في شبهة، أو أسلمتك إلى ضلالة، فإذا أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع، وتم رأيك فاجتمع، وكان همك في ذلك هما واحدا.
فانظر فيما فسرت لك.
وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك، وفراغ نظرك وفكرك، فاعلم أنك إنما تخبط العشواء، وتورط الظلماء، وليس طالب الدين من خبط أو خلط، والامساك عن ذلك أمثل.
فتفهم يا بنى! وصيتي، واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة، وأن الخالق هو المميت، وأن المفني هو المعيد، وأن المبتلي هو المعافي، وأن الدنيا لم تكن لتستقر إلا على ما جعلها الله عليه من النعماء، والابتلاء، والجزاء في المعاد، أوما شاء مما لا نعلم.
فإن أشكل عليك شئ من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك أول ما خلقت، خلقت جاهلا ثم علمت، وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك، ويضل فيه بصرك، ثم تبصره بعد ذلك، فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسواك، وليكن له تعبدك، وإليه رغبتك، ومنه شفقتك.
واعلم يا بنى! أن أحدا لم ينبئ عن الله كما أنبأ عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فارض به رائدا، وإلى النجاة قائدا، فإني لم آلك نصيحة، وإنك لن تبلغ في النظر لنفسك - وإن اجتهدت - مبلغ نظري لك.
واعلم يا بنى! أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضاده في ملكه أحد، ولا يزول أبدا، ولم يزل، أول قبل الأشياء بلا أولية، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية، عظم عن أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر.