وتدل الأحاديث والآثار على أنه (صلى الله عليه وآله) لما نزل الأمر بإبلاغ الولاية كان يخاف جانب هؤلاء الصارخين الضاجين (أعني قريشا) ويقول: " إن قومي قريبوا عهد بالجاهلية، وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليهم، وإني أخاف أن يقولوا حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك " (1).
وتدل النصوص على أن خوف رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان من قريش ومن يدور في فلكها في صرف الأمر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حرصا على الوصول إلى السلطة أو حقدا عليه لما قد وترهم بأمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)، أو لما يرون من أن في ولاية علي (عليه السلام) بقاء الدين والنبوة الذي حاربوه سنين متطاولة وفي حطمه وصرف الولاية عنه وصول إلى ما يرومون من انهدام الدين ومحوه ومحقه، هذا مما تصرح به النصوص الحاكية لأقوال المعارضين المنابذين، ولكنه (صلى الله عليه وآله) أقدم وعزم على طاعة الله مع خوفه ووجله من قومه، فلم يقدر كما تقدم حتى أنزل الله تعالى عليه العصمة من الناس، فقام بهذه المهمة في غدير خم، ولكن المعارضين أظهروا خلافهم ومنابذتهم بما يستطيعون، قال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل بخم، فتنحى الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب، فشق على النبي (صلى الله عليه وآله) تأخر الناس عنه فأمر عليا (عليه السلام) فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم متوسدا يد علي بن أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه قد كرهت تخلفكم عني حتى خيل إلي أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني " (2).