إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه والله تبارك وتعالى سابق للابداع لأنه ليس قبله عز وجل شئ، ولا كان معه شئ والابداع سابق للحروف والحروف لا تدل على غير أنفسها.
قال المأمون: وكيف لا تدل على غير أنفسها؟ قال الرضا عليه السلام: لان الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا، فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير معنى ولم يك إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك.
قال الرضا عليه السلام: أما المعرفة فوجه ذلك وبابه أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فردا فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟
قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام: واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حد لغير محدود، والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال والوجود ولا تدل على الإحاطة كما تدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس لان الله عز وجل وتقدس تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحل بالله جل وتقدس شئ من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا.
ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين، ولا استماع اذن ولا لمس كف ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلولا أن ذلك كذلك لمكان المعبود الموحد غير الله تعالى لان صفاته وأسماءه غيره، أفهمت قال: نعم يا سيدي زدني.