قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عز وجل هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف، قال الرضا عليه السلام: إن الله المبدئ الواحد الكائن الأول، لم يزل واحدا لا شئ معه، فردا لا ثاني معه لا معلوما ولا مجهولا، ولا محكما ولا متشابها، ولا مذكورا ولا منسيا، ولا شيئا يقع عليه اسم شئ من الأشياء غيره، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون ولا بشئ قام ولا إلى شئ يقوم، ولا إلى شئ استند، ولا في شئ استكن، وذلك كله قبل الخلق إذ لا شئ وما أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم.
واعلم أن الإبداع والمشية والإرادة معناها واحد، وأسماؤها ثلاثة، وكان أول إبداعه وإرادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ ودليلا على كل مدرك وفاصلا لكل مشكل. وتلك الحروف تفريق كل شئ من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور، كلها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهي ولا وجود لأنها مبدعة بالابداع، والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض.
والحروف هي المفعول بذلك الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله عز وجل، علمها خلقه، هي ثلاثة وثلاثون حرفا، فمنها ثمانية وعشرون حرفا، تدل على اللغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على اللغات السريانية. والعبرانية، ومنها خمسة أحرف متحرفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلها وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين، الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا.
فاما الخمسة المختلفة فتحجج لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه ثم جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عز وجل: " كن فيكون " وكن منه صنع وما يكون به المصنوع، فالخلق الأول من الله عز وجل الابداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس.
والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير منظور