لأنه لو كان ذلك لكان جايز أن يستعبدهم بتحليل ما حرم وتحريم ما أحل حتى يستعبدهم بترك الصلاة والصيام وأعمال البر كلها والانكار له ولرسله وكتبه والجحود بالزنا والسرقة وتحريم ذوات المحارم وما أشبه ذلك من الأمور التي فيها فساد التدبير وفناء الخلق إذا العلة في التحليل والتحريم التعبد لا غيره، فكان كما أبطل الله عز وجل به قول من قال ذلك إنا وجدنا كلما أحل الله تبارك وتعالى ففيه صلاح العباد وبقائهم ولهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها.
ووجدنا المحرم من الأشياء لا حاجة بالعباد إليه ووجدناه مفسدا داعيا إلى الفناء والهلاك، ثم رأيناه تبارك وتعالى قد أحل بعض ما حرم في وقت الحاجة لما فيه من الصلاح في ذلك الوقت نظير ما أحل من الميتة والدم ولحم الخنزير إذا اضطر إليها المضطر لما في ذلك الوقت من الصلاح والعصمة ودفع الموت.
فكيف أن الدليل على أنه لم يحل ما يحل إلا لما فيه من المصلحة للأبدان وحرم ما حرم لما فيه من الفساد، وكذلك وصف في كتابه وأدت عنه رسله، وحججه كما قال أبو عبد الله عليه السلام: لو يعلم العباد كيف كان بدء الخلق ما اختلف اثنان ووله عليه السلام:
ليس بين الحلال والحرام إلا شئ يسير يحوله من شئ إلى شئ فيصير حلالا و حراما (1).