ومن غريب ما اتفق لي تلك الليلة أن نمت يسيرا فرأيت في تلك الليلة كني في حضرة شيخنا الجليل محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله، وهو شيخ بهي جميل الوجه عليه أبهة العلم ونحو نصف لمته بياض، ومعي جماعة من أصحابي منهم رفيقي وصديقي الشيخ حسين بن عبد الصمد، فطلبنا من الشيخ أبي جعفر الكليني المذكور نسخة الأصل لكتابه الكافي لننسخه، فدخل البيت وأخرج لنا الجزء الأول منه في قالب نصف الورق الشامي ففتحه فإذا هو بخط حسن معرب مصحح ورموزه مكتوبة بالذهب، بجعلنا نتعجب من كون نسخة الأصل بهذه الصفة، فسررنا بذلك كثيرا لما كنا قبل ذلك قد ابتلينا به من رداءة النسخ. فطلبت منه بقية الأجزاء فجعل يتألم من تقصير الناس في نسخ الكتاب وتصحيحه وقال: اشتغلوا بهذا الجزء إلى أن أجد لكم غيره. ثم دخل إلى بيته لتحصيل باقي الأجزاء ثم خرج إلينا وبيده جزء بخط غيره على قالب الورق الشامي الكامل وهو ضخم غير جيد الخط، فدفعه إلي وجعل يشتكي إلينا من كتابة كتابه بهذه الصورة ويتألم من ذلك، وكان في المجلس الأخ الصالح الشيخ زين الدين الفقعاني نفعنا الله ببركته فقال: أنا عندي جزء آخر من نسخة الأصل على الوصف المتقدم ودفعه إلي فسررت كثيرا، ثم فتش البيت وأخرج جزءا آخر إلى تمام أربعة أجزاء أو أكثر بالوصف المتقدم، فسررنا بها وخرجنا بالأجزاء إلى الشيخ الجليل المصنف وهو جالس في مكانه الأول، فلما جلسنا عنده أعدنا فيما بيننا وبينه ذكر نسخ الكتاب وتقصير الناس فيه، فقلت:
يا سيدنا بمدينة دمشق رجل من أصحابنا اسمه زين العابدين الغرابيلي قد نسخ كتابك هذا نسخة في غاية الجودة في ورق جيد وجعل الكتاب في مجلدين كل واحد بقدر كتاب الشرائع، وهذه النسخة فخر على المخالف والمؤالف فتهلل وجه الشيخ رحمه الله سرورا وأظهر الفرح وفتح يديه ودعا له بدعاء خفي لم أحفظ لفظه، ثم انتبهت.
وانتهينا بعد أربعة أيام من اليوم المذكور إلى مدينة " ملطية " وهي مدينة