ولحما مطبوخا يكفيني لأيام وكان الزمان شتاء فلما وصلت حططت أعدالي وانتظرت حيت يخف الناس فأطحن فيها على عادتي فأخذني الجوع فتحولت إلى موضع نزه وفرشت سفرتي لآكل فاجتاز بي رجل عظيم الخلقة فدعوته.
إلى الاكل فلم يتأخر وجلس فأكل جميع ما كان في سفرتي حتى لم يدع فيها ولا أوقية واحدة فعجبت من ذلك عجبا بان له منى فأمسكت وغسلنا أيدينا فقال: على أي شئ مقامك هنا قلت لأطحن هذه الغلة قال: ولم لم تطحنها فأخبرته بسبب بعد ذلك على فثار كالجمل حتى شق الناس وهم مزدحمون على الرحى وهي تدور فجعل رجله عليها فوقفت ولم تدر فعجب الناس وقال من فيكم يتقدم فجاء رجل معجب بشدته فأخذ بيده ورمى به كالكورة وجعله تحت رجله الأخرى فما قدر أن يتحرك وقال: قدموا غلتي إلى الطحن وإلا كسرت الرحى وكسرت عظام هذا فقالوا لي هات الغلة فجئت بها فطحنت وفرغ منها وجعلها في الاعدال وقال لي قم فقلت إلى أين؟ قال: إلى منزلك فقلت لا أسلك الطريق وحدي فهو مخيف ولكن اصبر حتى يتفرغ أهل قربتي فارجع معهم فقال قم وأنا معك ولست تخاف بإذن الله عز وجل فقلت في نفسي من كانت تلك قوته يجب أن آنس به فقمت وحملت الغلة على الحمير وسرنا ولم نر في طريقنا أحدا فلما بلغت المنزل عجب قومي من سرعتي وورودي بالغلة لوحدي ورأوا الرجل وسألوني عن القصة فأخبرتهم وسألناه أن يقيم عندنا أياما في ضيافتنا ففعل فذبحنا له بقرة وأصلحنا له سكباجا وقدم إليه فأكل الجميع بنحو المائة رطل خبزا فقال له أبى يا هذا ما رأيت مثلك قط فأي شئ أنت ومن أين معاشك قال: أنا رجل من الناحية الفلانية وكان لي أخ أشد بدنا وقلبا منى اسمه عاد واسمى شداد وكنا نبدرق القوافل من قريتنا إلى مواضع كثيرة لا نستعين بأحد وتخرج علينا الرجال الكثيرة فألقاهم أنا وأخي فقط ونهزمهم واشتهر أمرنا حتى كان إذا قيل قافلة عاد وشداد لم يعرض لها أحد فمكثنا بذلك سنين كثيرة فخرجنا مرة أنا وأخي نسير قافلة قد خفرناها فلما صرنا بالفلاة رأينا سوادا مقبلا نحونا فانتظرنا أن يقدم علينا أحد ثم بان لنا شخص وهو رجل أسود على ناقة حمراء ثم خالطنا وقال هذه قافلة