بالطوب والمدر (1) وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر، من فكر في هذا أو قدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنك رأس هذا الامر وسنامه وأبوك أسه ونظامه.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن من أضله الله وأعمى قلبه، استوخم الحق (2) فلم يستعذبه، وصار الشيطان وليه يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره، وهذا بيت استعبد الله به خلقه، ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له، فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام، وأحق من أطيع فيما أمر وانتهي عما نهى عنه وزجر، الله المنشئ للأرواح بالصور.
فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت يا أبا عبد الله فأحلت على غائب، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويلك وكيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم ويعلم أسرارهم، وإنما المخلوق (3) الذي إذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه، فأما الله العظيم الشأن الملك الديان فإنه لا يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان، والذي بعثه بالآيات المحكمة، والبراهين الواضحة، وأيده بنصره، واختاره لتبليغ رسالته صدقنا قوله بأن ربه بعثه وكلمه.
فقام عنه ابن أبي العوجاء فقال لأصحابه: من ألقاني في بحر هذا، سألتكم