أول الزمان رجل له دار فيها نخلة، قد أوى إلى خرق في جذعها حمام، فإذا أفرخ صعد الرجل فأخذ فراخه فذبحها، فأقام بذلك دهرا طويلا، لا يبقى له نسل، فشكا ذلك الحمام إلى الله (تع) ما ناله من الرجل (1) فقيل له: إنه إن رقى إليك بعد هذا فأخذ لك فرخا صرع عن النخلة فمات، فلما كبرت فراخ الحمام رقى إليها الرجل ووقف الحمام ينظر (2) إلى ما يصنع به، فلما توسط الجذع وقف سائل بالباب فنزل فأعطاه شيئا ثم ارتقى فاخذ الفراخ ونزل بها فذبحها ولم يصبه شئ، فقال الحمام: ما هذا يا رب؟ قيل له:
إن الرجل تلافى نفسه بالصدقة فدفع عنه، وأنت فسوف يكثر الله نسلك ويجعلك في بلد لا يهاج من نسلك فيه شئ إلى يوم القيمة، وأتى به إلى الحرم فجعل فيه.
وعن علي أن رسول الله (صلع) قال: السائل رسول رب العالمين، فمن أعطاه فقد أعطى الله عز وجل، ومن رده فقد رد الله عز وجل.
وعن (ع) أنه قال: ردوا السائل ولو بشق تمرة، وأعطوا السائل ولو جاء على فرس، ولا تردوا سائلا ذكرا (3) أو أثنى (4) بليل، فإنه قد يسأل من ليس من الجن ولا من الانس، ولكن ليزيدكم الله به خيرا.
وعن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه أنه قال لجارية عنده: لا تردوا سائلا، فقال له بعض من بحضرته: يا بن رسول الله، إنه قد يسأل من لا يستحق، فقال: إن رددنا من نرى أنه لا يستحق خفنا أن نمنع من يستحق، فيحل بنا ما حل بيعقوب النبي، قيل له: وما حل به، يا بن رسول الله؟ قال:
اعتر ببابه نبي من الأنبياء كان يكتم أمر نفسه ولا يسعى في شئ من أمر الدنيا إلا إذا أجهده الجوع وقف إلى أبواب الأنبياء والصالحين، فسألهم، فإذا أصاب ما يمسك رمقه كف عن المسألة، فوقف ليلة بباب يعقوب (ع) فأطال الوقوف يسأل، فغفلوا عنه فلا هم أعطوه، ولا هم صرفوه، حتى أدركه الجهد والضعف حتى خر إلى الأرض وغشي عليه، فرآه بعض من مر به (5) فأحياه بشئ وانصرف،