من كلامه صلى الله عليه وآله إلا أن يثبت نقل من المعنى العرفي إلى معنى آخر عند الشارع كي يكون حقيقة شرعية أو استعمله في ذلك المعنى الآخر مجازا، وذلك يحتاج اثباته إلى دليل، وإلا فبحسب الطبع الأولى لا بد في فهم مراده صلى الله عليه وآله من مراجعة العرف.
وقد عرفت ان لفظة " المدعي " حسب المتفاهم العرفي هو من يحتاج في اثبات ما يدعيه إلى مثبت خارجي ولا يكون ثابتا في نفسه، فبناء على هذا يكون الوجه الأول من الوجوه التي ذكرناها لمعني المدعي - أي: من يكون قوله مخالفا للحجة الفعلية - هو الصحيح في معناه.
ثم إن تقييد الحجة بالفعلية - من جهة انها لو لم تكن فعلية بل كانت محكومة بحجة الخصم وكانت حجة الخصم هي الفعلية - فموافقة قوله لمثل هذه الحجة المحكومة لا يخرجه عن كونه مدعيا، مثلا لو ادعي فساد المعاملة الواقعة بينهما، فقوله وإن كان موافقا مع أصالة عدم النقل والانتقال - الذي قيل بأنه الأصل في باب المعاملات - الا حيث إنها محكومة بأصالة الصحة يكون مدعيا لمخالفة قوله للحجة الفعلية التي هي أصالة الصحة فيما إذا كان المورد مما يجري فيه هذا الأصل.
وبعد ما عرفت من هو المدعي فالمنكر هو مقابل المدعي، بمعنى ان هذين المفهومين متقابلان لا يمكن اجتماعهما في شخص واحد في مخاصمة واحدة من جهة واحدة في زمان واحد، وذلك من جهة ان مفاد قول المدعي بثبوت أمر - من دين أو عين أو حق - على خصمه، ومفاد قول المنكر نفى ذلك الامر، فهما متقابلان نفيا واثباتا، فبأي معنى من المعاني المذكورة فسرت المدعي يكون معنى المنكر عدم ذلك المعنى.
مثلا بناء على ما اخترنا من أن المدعي من كان قوله مخالفا للحجة الفعلية فالمنكر عبارة: عمن لا يكون قوله مخالفا للحجة الفعلية، وهكذا الامر بالنسبة إلى سائر المعاني المذكورة.