وقد صح اشتراك أهل بيت واحد في ضحية واحدة كما في حديث مخنف. وإلى هذا ذهب زيد بن علي وحفيد أحمد بن عيسى والفريقان. قال النووي: سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين مفترضين أو متطوعين، أو بعضهم متقربا وبعضهم طالب لحم، وبه قال أحمد، وذهب مالك إلى أنه لا يجوز الاشتراك في الهدي إلا في هدي التطوع، وهدي الاحصار عندي من هدي التطوع. واشترطت الهادوية في الاشتراك اتفاق الغرض قالوا، ولا يصح مع الاختلاف لان الهدي شئ واحد فلا يتبعض، بأن يكون بعضه واجبا وبعضه غير واجب، وقالوا إنها تجزئ البدنة عن عشرة لما سلف من حديث ابن عباس، وقاسوا الهدي على الأضحية.
وأجيب: بأنه لا قياس مع النص. وادعى ابن رشد الاجماع على أنه لا يجوز أن يشترك في النسك أكثر من سبعة قال: وإن كان روي من حديث رافع بن خديج: أن النبي صلى الله عليه وسلم عدل البعير بعشر شياه أخرجه في الصحيحين، ومن طريق ابن عباس وغيره البدنة عن عشر قال الطحاوي: وإجماعهم دليل على أن الآثار في ذلك غير صحيحة ا ه. ولا يخفى أنه لا إجماع مع خلاف من ذكرنا وكأنه لم يطلع عليه. واختلفوا في الشاة، فقال الهادوية تجزئ عن ثلاثة في الأضحية قالوا: وذلك لما تقدم من تضحية النبي صلى الله عليه وسلم بالكبش عن محمد وآل محمد قالوا: وظاهر الحديث أنها تجزئ عن أكثر لكن الاجماع قصر الاجزاء على الثلاثة. قلت: وهذا الاجماع الذي ادعوه يباين ما قاله في نهاية المجتهد فإنه قال: إنه وقع الاجماع على أن الشاة لا تجزئ إلا عن واحد. والحق أنها تجزئ الشاة عن الرجل وعن أهل بيته لفعله صلى الله عليه وسلم ولما أخرجه مالك في الموطأ من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تباهى الناس بعد.
(فائدة): من السنة لمن أراد أن يضحي أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره إذا دخل شهر ذي الحجة لما أخرجه مسلم من أربع طرق من حديث أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا. وأخرج البيهقي من حديث عمرو بن العاص أنه (ص) قال لرجل سأله عن الضحية وأنه قد لا يجدها فقال: قلم أظافرك، وقص شاربك، واحلق عانتك، فذلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل وهذا فيه شرعية هذه الأفعال في يوم التضحية وإن لم يترك من أول شهر الحجة. وذهب أحمد وإسحق: أنه يحرم للنهي، وإليه ذهب ابن حزم، وقال من لم يحرمه قد قامت القرينة على أن النهي ليس للتحريم وهو ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عائشة قالت: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله (ص) بيدي ثم قلدها رسول الله (ص) بيده ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله (ص) شئ مما أحله الله حتى نحر الهدي. قال الشافعي: فيه دلالة على أنه لا يحرم على المرء شئ يبعثه بهديه، والبعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية. قلت: هذا قياس منه والنص قد خص من يريد التضحية بما ذكر.