فلا يتم الجزم بأن هذا صغير وهذا كبير إلا بالرجوع إلى ما نص الشارع على كبره فهو كبير وما عدا باق على الابهام والاحتمال. وقد عد العلائي في قواعده الكبائر المنصوص عليها بعد تتبعها من النصوص فأبلغها خمسا وعشرين، وهي الشرك بالله، والقتل، والزنى - وأفحشه بحليلة الجار - والفرار من الزحف، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والسحر، والاستطالة في عرض المسلم بغير حق، وشهادة الزور، واليمين الغموس، والنميمة، والسرقة، وشرب الخمر، واستحلال بيت الله الحرام، ونكث الصفقة، وترك السنة، والتعرب بعد الهجرة، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، ومنع ابن السبيل من فضل الماء، وعدم التنزه من البول، وعقوق الوالدين، والتسبب إلى شتمهما، والاضرار في الوصية، وتعقب بأن السرقة لم يرد النص بأنها كبيرة وإنما في الصحيحين: لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن وفي رواية النسائي فإن فعل ذلك فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه. فإن تاب تاب الله عليه قد جاء في أحاديث صحيحة: النص على الغلول وهو إخفاء بعض الغنيمة بأنه كبيرة. وجاء في الجمع بين الصلاتين لغير عذر، ومنع الفحل ولكنه حديث ضعيف وجاء في الأحاديث ذكر أكبر الكبائر كحديث أبي هريرة إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن، ونحوه من الأحاديث، ولا مانع من أن يكون في الذنوب الكبير والأكبر. وظاهر الحديث أنه لا كفارة في الغموس وقد نقل ابن المنذر وابن عبد البر اتفاق العلماء على ذلك، وقد أخرج ابن الجوزي في التحقيق عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس فيها كفارة: يمين صبر يقتطع بها مالا بغير حق وفيه راو مجهول. وقد روى آدم بن أبي إياس وإسماعيل القاضي عن ابن مسعود موقوفا: كنا نعد الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس، أن يحلف الرجل على مال أخيه كاذبا ليقتطعه. قالوا: ولا مخالف له من الصحابة، ولكن تكلم ابن حزم في صحة أثر ابن مسعود. وإلى عدم الكفارة ذهبت الهادوية وذهب الشافعي وآخرون إلى وجوب الكفارة فيها، وهو الذي اختاره ابن حزم في شرح المحلى لعموم * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) * الآية واليمين الغموس معقودة قالوا:
والحديث لا تقوم به حجة حتى تخصص الآية، والقول بأنه لا يكفرها إلا التوبة، فالكفارة تنفعه في رفع إثم اليمين ويبقى في ذمته ما اقتطعه بها من مال أخيه، فإن تحلل منه وتاب محا الله تعالى عنه الاثم.
8 - (وعن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله في اللغو في أيمانكم) * قالت: هو قول الرجل لا والله وبلى والله. أخرجه البخاري) موقوفا على عائشة (ورواه أبو داود مرفوعا). فيه دليل على أن اللغو من الايمان ما لا يكون عن قصد الحلف، وإنما جرى على اللسان من غير إرادة الحلف وإلى تفسير اللغو بهذا ذهب الشافعي ونقله ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما من الصحابة وجماعة من التابعين. وذهب الهادوية والحنفية إلى أن لغو اليمين أن يحلف على الشئ يظن صدقه فيكشف خلافه، وذهب طاوس