الذنب لمجرد التعيير قبيح يوجب العقوبة، وأنه لا يذكر عيب الغير إلا للأمور الستة التي سلفت مع حسن القصد فيها.
35 - (وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنهم) معاوية بن حيدة رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله (ص): ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له أخرجه الثلاثة وإسناده قوي). وحسنه الترمذي وأخرجه البيهقي.
والويل الهلاك، ورفعه على أنه مبتدأ خبره الجار والمجرور، وجاز الابتداء بالنكرة لأنه من باب: سلام عليكم. وفي معناه الأحاديث الواردة في تحريم الكذب على الاطلاق، مثل حديث إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور (وإن) الفجور يهدي إلى النار سيأتي، وأخرج ابن حبان في صحيحه إياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار ومثله عند الطبراني وأخرج أحمد من حديث ابن لهيعة ما عمل أهل النار؟ قال: الكذب. فإن العبد إذا كذب فجر وإذا فجر كفر وإذا كفر دخل النار وأخرج البخاري أنه قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل، ومن جملته قوله رأيت الليلة رجلين أتياني قالا لي: الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يكذب الكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق في حديث رؤياه صلى الله عليه وسلم والأحاديث في الباب كثيرة. والحديث دليل على تحريم الكذب لاضحاك القوم، وهذا تحريم خاص. ويحرم على السامعين سماعه إذا علموه كذبا، لأنه إقرار على المنكر بل يجب عليهم النكير أو القيام من الموقف. وقد عد الكذب من الكبائر، قال الروياني من الشافعية:
إنه كبيرة ومن كذب قصدا ردت شهادته، وإن لم يضر بالغير، لان الكذب حرام بكل حال، وقال المهدي: إنه ليس بكبيرة، ولا يتم له نفي كبره على العموم، فإن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أو الاضرار بمسلم أو معاهد كبيرة. وقسم الغزالي الكذب في الاحياء إلى واجب ومباح ومحرم وقال: إن كل مقصد محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب وحده فمباح إن أنتج تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك وهو إذا كان فيه عصمة من يجب إنقاذه، وكذا إذا خشي على الوديعة من ظالم وجب الانكار والحلف، وكذا إذا كان لا يتم مقصود حرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجني عليه إلا بالكذب فهو مباح، وكذا إذا وقعت منه فاحشة كالزنا وشرب الخمر وسأله السلطان فله أن يكذب، ويقول: ما فعلت.
ثم قال: وينبغي أن تقابل مفسدة الكذب بالمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت مفسدة الصدق أشد فله الكذب، وإن كانت بالعكس أو شك فيها حرم الكذب، وإن تعلق بنفسه استحب أن لا يكذب، وإن تعلق بغيره لم تحسن المسامحة بحق الغير. والحزم تركه حيث أبيح.
واعلم أنه يجوز الكذب اتفاقا في ثلاث صور كما أخرجه مسلم في الصحيح قال ابن شهاب:
لم أسمع يرخص في شئ مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والاصلاح بين الناس