ابن عبد البر: قيل للاعراض تدابر لان من أبغض أعرض ومن أعرض ولى دبره والمحب بالعكس. وقيل: معناه لا يستأثر أحدكم على الآخر، وسمي المستأثر مستدبرا لأنه يولي دبره حين يستأثر بشئ دون الآخر؟ وقال المازري: معنى التدابر المعاداة، تقول: دابرته أي عاديته، وفي الموطأ عن الزهري: التدابر الاعراض عن السلام يدبر عنه بوجهه، وكأنه أخذه من بقية الحديث وهي يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام فإنه يفهم أن صدور السلام منهما أو من أحدهما يرفع الاعراض. الخامس: النهي عن البغي، إن كان بالغين المعجمة، وإن كان بالمهملة فعن بيع بعض على بيع بعض، وقد تقدم في كتاب البيع، قال ابن عبد البر: تضمن الحديث تحريم بغض المسلم والاعراض عنه وقطيعته بعد صحبته بغير ذنب شرعي، والحسد له على ما أنعم الله تعالى عليه، ثم أمر أن يعامله معاملة الأخ النسيب، ولا يبحث عن معايبه، ولا فرق في ذلك بين الحاضر والغائب والحي والميت. وبعد هذه المناهي الخمسة حثهم بقوله: وكونوا عباد الله إخوانا فأشار بقوله: عباد إلى أن من حق العبودية لله الامتثال لما أمر، قال القرطبي: المعنى كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة، وفي رواية لمسلم زيادة كما أمر الله أي بهذه الأمور فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر منه تعالى وزاد المسلم حثا على أخوه المسلم بقوله: المسلم أخو المسلم وذكر من حقوق الاخوة أنه لا يظلمه، وتقدم تحقيق الظلم وتحريمه، والظلم محرم في حق الكافر، أيضا وإنما خص المسلم لشرفه. ولا يخذله والخذلان ترك الإعانة والنصر، ومعناه إذا استعان به في دفع أي ضر أو جلب أي نفع أعانه ولا يحقره ولا يحتقره ولا يتكبر عليه ويستخف به ويروى لا يحتقره وهو بمعناه.
وقوله: التقوى ها هنا إخبار بأن عمدة التقوى ما يحل في القلب من خشية الله ومراقبته وإخلاص الأعمال له. وعليه دل حديث مسلم: إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم أي أن المجازاة والمحاسبة إنما تكون على ما في القلب دون الصورة الظاهرة والأعمال البارزة، فإن عمدتها النيات ومحلها القلب. وتقدم إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد. وقوله: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه أي يكفيه أن يكون من أهل الشر بهذه الخصلة وحدها، وفي قوله: كل المسلم على المسلم حرام إخبار بتحريم الدماء والأموال والاعراض، وهو معلوم من الشرع علما قطعيا.
17 - (وعن قطبة) بضم القاف وسكون الطاء المهملة وفتح الموحدة (ابن مالك) يقال له التغلبي بالمثناة الفوقية والغين المعجمة ويقال الثعلبي بالمثلثة والعين المهملة (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء أخرجه الترمذي وصححه الحاكم واللفظ له). التجنيب: المباعدة: أي باعدني، والأخلاق: جمع خلق، قال القرطبي: الأخلاق أوصاف الانسان التي يعامل بها غيره، وهي محمودة ومذمومة. فالمحمودة على الاجمال: أن تكون مع غيرك على نفسك