معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال التي يخاف عليه منها أن تفضي به إلى حقيقة النفاق، وأيد هذا القول بقصة ثعلبة الذي قال فيه تعالى: * (فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله وما وعدوه وبما كانوا يكذبون) * فإنه آل به خلف الوعد والكذب إلى الكفر فيكون الحديث للتحذير من التخلق بهذه الأخلاق التي تؤول بصاحبها إلى النفاق الحقيقي الكامل.
7 - (وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص):
سباب بكسر السين المهملة مصدر سبه المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه) السب لغة الشتم والتكلم في أعراض الناس بما لا يعني كالسباب والفسوق مصدر فسق، وهو لغة الخروج وشرعا الخروج من طاعة الله، وفي مفهوم قوله المسلم دليل على جواز سب الكافر، فإن كان معاهدا فهو أذية له وقد نهى عن أذيته فلا يعمل بالمفهوم في حقه، وإن كان حربيا جاز سبه، إذ لا حرمة له، وأما الفاسق فقد اختلف العلماء في جواز سبه بما هو مرتكب له من المعاصي، فذهب الأكثر إلى جوازه لان المراد بالمسلم في الحديث الكامل الاسلام والفاسق ليس كذلك وبحديث: اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس، وهو حديث ضعيف وأنكره أحمد، وقال البيهقي: ليس بشئ فإن صح حمل على فاجر معلن فجوره أو يأتي بشهادة أو يعتمد عليه، فيحتاج إلى بيان حالة لئلا يقع الاعتماد عليه انتهى كلام البيهقي، ولكنه أخرج الطبراني في الأوسط الصغير بإسناد حسن رجاله موثوقون، وأخرجه في الكبير أيضا من حديث معاوية بن حيدة قال: خطبهم رسول الله (ص) فقال: حتى متى ترعوون عن ذكر الفاجر اهتكوه حتى يحذره الناس، وأخرجه البيهقي من حديث أنس بإسناد ضعيف: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له، وأخرج مسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وهم الذين جاهروا بمعاصيهم فهتكوا ما ستر الله عليهم فيبيحون بها بلا ضرورة ولا حاجة، والأكثر يقولون بأنه يجوز أن يقال للفاسق: يا فاسق، ويا مفسد، وكذا في غيبته بشرط قصد النصيحة له أو لغيره بيان حاله أو للزجر عن صنيعه لا لقصد الوقيعة فيه، فلا بد من قصد صحيح إلا أن يكون جوابا لمن يبدأه بالسب فإنه يجوز له الانتصار لنفسه لقوله تعالى: * (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) * ولقوله (ص): المتاسبان ما قالا فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم أخرجه مسلم ولكنه لا يجوز أن يعتدي ولا سيبه بأمر كذب. قال العلماء:
وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته وبرئ الأول من حقه وبقي عليه إثم الابتداء والاثم المستحق لله تعالى، وقيل: برئ من الاثم ويكون على البادي اللوم والذم لا الاثم. ويجوز في حال الغضب لله تعالى لقوله (ص) لأبي ذر: إنك امرؤ فيك جاهلية وقول عمر في قصة حاطب دعني أضرب عنق هذا المنافق وقول أسيد لسعد: إنما أنت منافق تجادل عن المنافقين ولم ينكر (ص) هذه الأقوال وهي بمحضرة.