ومن خذله فهو المخذول. وفي الحديث الصحيح أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وعلم صلى الله عليه وسلم العباد أن يقولوا في خطبة الحاجة: الحمد لله نستعينه وعلم معاذا أن يقول دبر الصلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فالعبد أحوج شئ إلى مولاه في طلب إعانته على فعل المأمورات وترك المحظورات والصبر على المقدورات. قال يعقوب صلى الله عليه وسلم في الصبر على المقدور: * (والله المستعان على ما تصفون) *. وما ذكر من هذه الوصايا النبوية لا ينافي القيام بالأسباب، فإنها من جملة سؤال الله والاستعانة به، فإن من طلب رزقه بسبب من أسباب المعاش المأذون فيها رزق من جهته فهو منه تعالى، وإن حرم فهو لمصلحة لا يعلمها ولو كشف الغطاء لعلم أن الحرمان خير من العطاء، والكسب الممدوح المأجور فاعله عليه هو ما كان لطلب الكفاية له ولمن يعوله، أو الزائد على ذلك إذا كان يعده لقرض محتاج أو صلة رحم أو إعانة طالب علم أو نحوه من وجوه الخير لا لغير ذلك، فإنه يكون من الاشتغال بالدنيا وفتح باب محبتها الذي هو رأس كل خطيئة. وقد ورد في الحديث كسب الحلال فريضة أخرجه الطبراني والبيهقي والقضاعي عن ابن مسعود مرفوعا وفيه عباد بن كثير ضعيف. وله شاهد من حديث أنس عند الديلمي طلب الحلال واجب ومن حديث ابن عباس مرفوعا طلب الحلال جهاد رواه القضاعي ومثله في الحلية عن ابن عمر. قال العلماء: الكسب الحلال مندوب أو واجب إلا للعالم المشتغل بالتدريس والحاكم المستغرقة أوقاته في إقامة الشريعة، ومن كان من أهل الولايات العامة كالامام فترك الكسب بهم أولى لما فيه من الاشتغال عن القيام بما هم فيه. ويرزقون من الأموال المعدة للمصالح.
6 - (وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال:
يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ فقال: أزهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس رواه ابن ماجة وغيره وسنده حسن. فيه خالد بن عمرو القرشي مجمع على تركه، ونسب إلى الوضع، فلا يصح قول الحاكم إنه صحيح. وقد أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث مجاهد عن أنس برجال ثقات إلا أنه لم يثبت سماع مجاهد من أنس وقد روي مرسلا، وقد حسن النووي الحديث كأنه لشواهده. والحديث دليل على شرف الزهد وفضله وأنه يكون سببا لمحبة الله لعبده ولمحبة الناس له لان من زهد فيما هو عند العباد أحبوه، لأنه جبلت الطبائع استثقال من أنزل بالمخلوقين حاجاته وطمع فيما في أيديهم. وفيه لا بأس بطلب محبة العباد، والسعي فيما يكسب ذلك، بل هو مندوب إليه أو واجب كما قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى إفشاء السلام فإنه من جوالب المحبة وإلى التهادي ونحو ذلك.
7 - (وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي أخرجه مسلم. فسر العلماء