أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ فقلت: بلى. قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق جميعا أرادوا أن ينفعوك بشئ لم يقضه الله تعالى لم يقدوا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشئ لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر وأن الفرح مع الكرب، وأن مع العسر يسرا وله ألفاظ أخر وهو حديث جليل أفرده بعض علماء الحنابلة بتصنيف مفرد فإنه اشتمل على وصايا جليلة. والمراد من قوله: احفظ الله أي حدوده وعهوده وأوامره ونواهيه. وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده أن لا يتجاوزها ولا يتعدى ما أمر به إلى ما نهى عنه، فيدخل في ذلك فعل الواجبات كلها وترك المنهيات كلها. وقال تعالى: * (والحافظون لحدود الله) * وقال: * (هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ) * فسر العلماء الحفيظ بالحافظ لأوامر الله، وفسر بالحفظ لذنوبه حتى يرجع منها فأمره (ص) بحفظ الله يدخل فيه كل ما ذكر وتفاصيلها واسعة. وقوله: تجده أمامك وفي اللفظ الآخر يحفظك، والمعنى متقارب: أي تجده أمامك بالحفظ لك من شرور الدارين جزاء وفاقا من باب وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم يحفظه في دنياه عن غشيان الذنوب، وعن كل أمر مرهوب، ويحفظ ذريته من بعده كما قال تعالى: * (وكان أبوهما صالحا) *. وقوله: فاسأل الله امر بإفراد الله عزو جل بالسؤال وإنزال الحاجات به وحده، وأخرج الترمذي مرفوعا سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل وفيه من حديث أبي هريرة مرفوعا من لا يسأل الله يغضب عليه وفيه إن الله يحب الملحين في الدعاء وفي حديث آخر: يسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع. وقد بايع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جماعة من الصحابة على أن لا يسألوا الناس شيئا منهم الصديق وأبو ذر وثوبان، وكان أحدهم يسقط سوطه أو يسقط خطام ناقته فلا يسأل أحدا أن يناوله، وإفراد الله بطلب الحاجات دون خلقه يدل له العقل والسمع، فإن السؤال بذل لماء الوجه وذل لا يصلح إلا لله تعالى، لأنه القادر على كل شئ الغني مطلقا والعباد بخلاف هذا. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم حديث قدسي فيه: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل انسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر وزاد في الترمذي وغيره وذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد عطائي كلام وعذابي كلام إذا أردت شيئا فإنما أقول له كن فيكون. وقوله إذا استعنت فاستعن بالله مأخوذ من قوله: * (وإياك نستعى) * أي نفردك بالاستعانة. أمره صلى الله عليه وسلم أن يستعين بالله وحده في كل أموره، أي إفراده بالاستعانة على ما يريده.
وفي إفراده تعالى بالاستعانة فائدتان: فالأولى: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في الطاعات.
والثانية: أنه لا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل فمن أعانه الله فهو المعان،