[فله أجر. متفق عليه] الحديث من أدلة القول بأن الحكم عند الله في كل قضية واحد معين قد يصيبه من أعمل فكره وتتبع الأدلة ووفقه الله فيكون له أجران: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة. والذي له أجر واحد هو من اجتهد فأخطأ فله أجر الاجتهاد. واستدلوا بالحديث على أنه يشترط أن يكون الحاكم مجتهدا. قال الشارح وغيره وهو المتمكن من أخذ الاحكام من الأدلة الشرعية قال: ولكنه يعز وجوده بل كاد يعدم بالكلية ومع تعذره فمن شرطه أن يكون مقلدا مجتهدا في مذهب إمامه. ومن شرطه أن يتحقق أصول إمامه وأدلته وينزل أحكامه عليها فيما لم يجده منصوصا من مذهب إمامه اه. قلت: ولا يخفى ما في هذا الكلام من البطلان. وإن تطابق عليه الأعيان وقد بينا بطلان دعوى تعذر الاجتهاد في رسالتنا المسماة بإرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد بما لا يمكن دفعه وما أرى هذه الدعوى التي تطابقت عليها الانظار إلا من كفران نعمة الله عليهم فإنهم - أعني المدعين لهذه الدعوى والمقررين لها - مجتهدون يعرف أحدهم من الأدلة ما يمكنه بها الاستنباط مما لم يكن قد عرفه عتاب بن أسيد قاضي رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة ولا أبو موسى الأشعري قاضي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليمن ولا معاذ بن جبل قاضيه فيها وعامله عليها ولا شريح قاضي عمر وعلي رضي الله عنهم على الكوفة. ويدل لذلك قول الشارح: فمن شرطه أي المقلد أن يكون مجتهدا في مذهب إمامه وأن يتحقق أصوله وأدلته أي ومن شرطه أن يتحقق أصول إمامه وأدلته وينزل أحكامه عليها فيما لم يجده منصوصا من مذهب إمامه، فإن هذا هو الاجتهاد الذي حكم بكيدودة عدمه بالكلية وسماه متعذرا، فهلا جعل هذا المقلد إمامه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عوضا عن إمامه وتتبع نصوص الكتاب والسنة عوضا عن تتبع نصوص إمامه، والعبارات كلها ألفاظ دالة على معان فهلا استبدل بألفاظ إمامه ومعانيها ألفاظ الشارع ومعانيها ونزل الاحكام عليها إذا لم يجد نصا شرعيا عوضا عن تنزيلها على مذهب إمامه فيما لم يجده منصوصا؟
تالله لقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، من معرفة الكتاب والسنة إلى معرفة كلام الشيوخ والأصحاب وتفهم مرامهم، والتفتيش عن كلامهم. ومن المعلوم يقينا أن كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أقرب إلى الافهام وأدنى إلى إصابة المرام فإنه أبلغ الكلام بالاجماع، وأعذبه في الأفواه والاسماع وأقربه إلى الفهم والانتفاع ولا ينكر هذا إلا جلمود الطباع ومن لاحظ له في النفع والانتفاع. والافهام التي فهم بها الصحابة الكلام الإلهي والخطاب النبوي هي كأفهامنا وأحلامهم كأحلامنا، إذ لو كانت الافهام متفاوتة تفاوتا يسقط معه فهم العبارات الإلهية، والأحاديث النبوية لما كنا مكلفين ولا مأمورين ولا منهيين لا اجتهادا ولا تقليدا، أما الأول فلاستحالته، وأما الثاني فلانا لا نقلد حتى نعلم أنه يجوز لنا التقليد، ولا نعلم ذلك إلا بعد فهم الدليل من الكتاب والسنة على جوازه لتصريحهم بأنه لا يجوز التقليد في جواز التقليد، فهذا الفهم الذي فهمنا به