وجب العمل بما أراده ولا يجوز صرف اللفظ عن مدلوله العرفي لأنه صار حقيقة عرفية في هذا المعنى والألفاظ تحمل على معانيها الحقيقية اللغوية إن لم يعارضها نقل في العرف إلى معنى آخر فلفظ الفريضة الشرعية إذا كان معناه لغة أو شرعا التسوية وكان معناه في العرف المفاضلة وجب حمله على المعنى العرفي كما علمت ولو ثبت أن المفاضلة في الوقف مكروهة كما في الهبة وأن النص الوارد في الهبة وارد في الوقف أيضا نقول إن هذا الواقف أراد المفاضلة وارتكب المكروه فلا يكون في ذلك تقديم العرف على النص بل فيه إعمال النص بإثبات الكرامة فيما فعله وإعمال لفظه بحمله على مدلوله العرفي فإن النص لا يغير الألفاظ عن معانيها المرادة بل يبقى اللفظ على مدلوله العرفي وهو المفاضلة لأنه صار علما عليها وهي فريضة شرعية في ميراث الأولاد فإذا ذكرها في وقفه على أولاده وجب العمل بمراده وهذا كله بعد تسليم أن المفاضلة في الوقف مكروهة كما في الهبة وقد سمعت التصريح بخلافه عن الظهيرية.
وقد وقع سؤال في أواخر كتاب الوقف من الفتاوى الخيرية فيه ذكر الفريضة الشرعية مع عدم التصريح بأن للذكر مثل حظ الأنثيين فأجاب فيه بالقسمة بالمفاضلة وأجاب في الخيرية قبله في سؤال آخر بذلك أيضا وبه أفتى مفتي دمشق المرحوم الشيخ إسماعيل تلميذ الشارح وكذا شيخ مشايخنا السائحاني ورأيت مثل في فتاوى الشهاب أحمد بن الشلبي الحنفي شيخ صاحب البحر ووافقه عليه الشهاب أحمد الرملي الشافعي في فتاويه ورأيت مثل ذلك في فتاوى شيخ الإسلام محقق الشافعية السراج البلقيني ومثله في فتاوى المصنف وعزاه أيضا إلى المقدسي والطبلاوي كما يأتي قريبا فكل هؤلاء الأعلام أفتوا بما هو المتعارف من معنى هذا اللفظ وكفى بهم قدوة وهذا خلاصة ما ذكرته في الرسالة المذكورة ومن أراد زيادة على ذلك فليرجع إليها وليعتمد عليها ففيها المقنع لمن يتدبر ما يسمع ولله الحمد قوله: (ونحوه في فتاوى المصنف) هذا عجيب بل الذي فيها خلافه وهو انصراف الفريضة الشرعية إلى إلى القسمة بالمفاضلة حيث وجد ذكور وإناث نعم وقع في السؤال الذي سئل عنه المصنف أنه آل الوقف إلى أخي الميت لأمه وأخيه الشقيق فأجاب بأنها تقسم الغلة بينهما نصفين لا قسمة الميراث أي لا يعطى للأخ للأم السدس والباقي للشقيق وقال إن هذا هو الموافق لغالب أحوال الواقفين وهو قصد التفاوت بين الذكر والأنثى فإذا قال على حكم الفريضة ينزل على الغالب المذكور ثم قال وقد أجاب بهذا الجواب شيخ الإسلام عمدة الأنام مفتي الوقت بالقاهرة المحروسة هو الشيخ نور الدين المقدسي وشيخ الإسلام محمد الطبلاوي مفتي الديار المصرية اه.
وحاصل كلامه أنه حيث وجد ذكور فقط كما في واقعة السؤال من أخوين أحدهما لأم والآخر شقيق يحمل لفظ الفريضة الشرعية على القسمة بالسوية لا على قسمة الميراث بينهما لأن الغالب من أحوال الواقفين إرادة التفاوت بين الذكر والأنثى فيحمل هذا اللفظ على الغالب إذا وجد ذكر وأنثى لا إذا كانا ذكرين.
قلت: وهذا لا شك فيه وهو صريح فيما قلنا من حمل اللفظ المذكور على معناه العرفي وكأن الشارح نظر إلى قوله في صدر الجواب تقسم الغلة بينهما نصفين ولم ينظر إلى باقيه مع أن الضمير في بينهما راجع للأخوين لا إلى ذكر وأنثى وقد وقع لابن المنقار في رسالته نظير ما وقع