المضاربة من أنه إذا أراد رب المال أن يجعل المال مضمونا على المضارب أقرضه كله إلا درهما منه وسلمه إليه وعقد شركة العنان ثم يدفع إليه الدرهم ويعمل فيه المستقرض، فإن ربح كان بينهما على ما شرطا، وإن هلك هلك عليه اه. ورأيت مثله في آخر مبسوط السرخسي.
ووجه عدم المنافاة أن العمل هنا لم يشرط على أحد في عقد الشركة بل تبرع به المستقرض، فيجوز لصاحب الدرهم الواحد أن يأخذ من الربح بقدر ما شرط من نصف أو أكثر أو أقل وإن لم يكن عاملا، ويؤيد هذا التوفيق ما ذكره في البحر قبيل كتاب الكفالة في بحث ما لا يبطل بالشرط الفاسد، حيث قال ما نصه: قوله والشركة بأن قال شاركتك على أن تهديني كذا، ومن هذا القبيل ما في شركة البزازية: لو شرطا العمل على أكثرهما مالا والربح بينهما نصفين لم يجز الشرط والربح بينهما أثلاثا اه.
وقد وقعت حادثة توهم بعض حنفية العصر أنها من هذا القبيل، وليس كذلك، متفاضلا في المال وشرطا الربع بينهما نصفين ثم تبرع أفضلهما مالا بالعمل، فأجبت بأن الشرط صحيح لعدم اشتراط العمل على أكثرهما مالا، والتبرع ليس من قبيل الشر، والدليل عليه ما في بيوع الذخيرة:
اشترى حطبا في قرية شراء صحيحا وقال موصولا بالشراء من غير شرط في الشراء حمله إلى منزلي لا يفسد العقد، لان هذا ليس بشرط في البيع، بل هو كلام مبتدأ بعد تمام البيع فلا يوجب فساده اه. هذا كلام صاحب البحر وهو صريح فيما ذكرناه من التوفيق، والله تعالى الموفق.
وبقي ما يقع كثيرا، وهو أن يدفع رجل إلى آخر ألفا يقرضه نصفها ويشاركه على ذلك، على أن الربح ثلثاه للدافع وثلثه للمستقرض فهنا تساويا في المال دون الربح وهي صورة العكس.
وصريح ما مر عن الزيلعي والكمال أنه لا يصح للدافع أخذ أكثر من نصف الربح، إلا إذا كان هو العامل، فلو كان العامل هو المستقرض كما هو العادة كان له نصف الربح بقدر ماله، لكنه محمول على ما إذا شرط العمل عليه، وإن لم يشرط صح التفاضل كما علمت من التوفيق.
ومما يكثر وقوعه أيضا أنه يكون لأحدهما ألف فيدفع له آخر ألفين ليعمل بالكل ويشرط الربح أثلاثا، وهذا جائز أيضا حيث كان الربح بقدر رأس المال كما مر في عبارة النهر، فلو شرطا الربح أرباعا مع اشتراط العمل لم يصح، كما يفيده التقييد بكونه بقدر رأس مالهما، ومثله قول الظهيرية، وإن اشترطا الربح على قدر رأس مالهما أثلاثا والعمل من أحدهما كان جائزا.
تنبيه: علم مما مر أن العمل لو كان مشروطا وعليهما لا يلزم اجتماعهما عليه كما هو صريح قوله: وإن عمل أحدهما فقط، ولذا قال في البزازية: اشتركا وعمل أحدهما في غيبة الآخر فلما حضر أعطاه حصته ثم غاب الآخر وعمل الآخر فلما حضر الغائب أبى أن يعطيه حصته من الربح، إن كان الشرط أن يعملا جميعا وشتى فما كان من تجارتهما من الربح فبينهما على الشرط عملا أو عمل أحدهما، فإن مرض أحدهما ولم يعمل وعمل الآخر فهو بينهما اه. والظاهر أن عدم العمل من أحدهما لا فرق أن يكون بعذر أو بدونه كما صرح بمثله في البزازية في شركة التقبل معللا بأن العقد لا يرتفع بمجرد امتناعه واستحقاقه الربح بحكم الشرط في العقد لا العمل اه. ولا يخفى أن العلة جارية هنا.