الصلاة والسلام: من كان منكم حالفا بالله أو ليذر وكذا إذا حلف بالقرآن لأنه غير متعارف اه.
فقوله: كذا يفيد أنه ليس من قسم الحلف بغير الله تعالى، بل هو من قسم الصفات ولذا علله بأنه غير متعارف، ولو كان من القسم الأول كما هو المتبادر من كلام المصنف والقدوري لكانت العلة فيه النهي المذكور أو غيره، لان التعارف إنما يعتبر في الصفات المشتركة أو في غيرها، وقال في الفتح. وتعليل عدم كونه يمينا بأنه غيره تعالى لأنه مخلوق لأنه حروف، وغير المخلوق هو الكلام النفسي منع بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. ولا يخفي أن المنزل في الحقيقة ليس إلا الحروف المنقضية المنعدمة، ما ثبت قدمه استحال عدمه، غير أنهم أوجبوا ذلك لان الدوام إذا قيل لهم إن القرآن مخلوق تعدوا إلى الكلام مطلقا اه. وقوله: ولا يخفي الخ رد للمنع.
وحاصله أن غير المخلوق هو القرآن بمعنى كلام الله الصفة النفسية القائمة به تعالى لا بمعنى الحروف المنزلة، غير أنه لا يقال القرآن مخلوق لئلا يتوهم إرادة المعنى الأول.
قلت: فحيث لم يجز أن يطلق عليه أنه محلوق ينبغي أن لا يجوز أن يطلق عليه أنه غيره تعالى، بمعنى أنه ليس صفة له، لان الصفات ليست عينا ولا غيرا كما قرر في محله، ولذا قالوا: من قال بخلق القرآن فهو كافر. ونقل في الهندية عن المضمرات: وقد قيل هذا في زمانهم، أما في زماننا فيمين، وبه نأخذ ونأمر ونعتقد. وقال محمد بن مقاتل الرازي: إنه يمين، وبه أخذ جمهور مشايخنا اه.
فهذا مؤيد لكونه صفة تعورف الحلف بها كعزة الله وجلاله. قوله: (فيدور مع العرف) لان الكلام صفة مشتركة. قوله: (وقال العيني الخ) عبارته: وعندي لو حلف بالمصحف أو وضع يده عليه وقال: وحق هذا فهو يمين، ولا سيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الايمان الفاجرة ورغبة العوام في الحلف بالمصحف اه. وأقره في النهر، وفيه نظر ظاهر، إذ المصحف ليس صفة لله تعالى حتى يعتبر فيه العرف، وإلا لكان الحلف بالنبي والكعبة يمينا لأنه متعارف، وكذا بحياة رأسك ونحوه ولم يقل به أحد. على أن قول الحالف وحق الله ليس بيمين كما يأتي تحقيقه، وحق المصحف مثله بالأولى، وكذا وحق كلام الله، لان حقه تعظيمه والعمل له وذلك صفة العبد، نعم لو قال أقسم بما في هذا المصحف من كلام الله تعالى ينبغي أن يكون يمينا. قوله: (ولو تبرأ من أحدها) أي أحد المذكورات من النبي والقرآن والقبلة. قوله: (إلا من المصحف) أي فلا يكون التبري منه يمينا، لان المراد به الورق والجلد، وقوله: إلا أن يتبرأ مما فيه لان ما فيه هو القرآن، وما ذكره في النهر عن المجتبى من أنه لو تبرأ من المصحف انعقد يمينا فهو سبق قلم، فإن عبارة المجتبى هكذا: ولو قال أنا برئ من القرآن أو مما في المصحف فيمين، ولو قال من المصحف فليس بيمين اه. ومثله في الذخيرة. قوله: (بل لو تبرأ من دفتر) صوابه مما في دفتر كما علمته في المصحف. قال في الخانية: ولو رفع كتا أأدخل الفقه أو دفتر الحساب فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم وقال أنا برئ مما فيه إن فعل كذا ففعل كان عليه الكفارة، كما لو قال أنا برئ من بسم الله الرحمن الرحيم. قوله:
(ولو تبرأ من كل آية فيه) أي في المصحف كما في المجتبى والذخيرة والخانية. قوله: (ولو كرر