نرده.
وهاهنا يعود لغير السبب الأول، ولأنه إذا كان معه لوث كان له أن يحلف، فإذا لم يحلف فكأنه لا لوث بدليل أن المدعى عليه يحلف، وكأنه لا لوث معه صارت اليمين في جنبة المدعى عليه ابتداء، فإذا نكل عنها وجب أن يرد على المدعي، ولأن للمدعي أن يرد اليمين على المدعى عليه غرضا صحيحا وهو إذا كان معه لوث كانت يمينه على غالب الظن والظنة والتهمة ينصرف إليه، فإذا بذلها للمدعى عليه فلم يحلف زالت عنه الظنة وانصرفت عنه التهمة، فلهذا جاز أن يرد عليه.
ويفارق قولهم أبطل حجته لأنه إذا قعد عن حجته فإنما أخرها وما أبطلها لغرض له، فوجب أن لا يبطل عنه جملة، ألا ترى أنه لو ادعى حقا وله به بينة فاستحلف المدعى عليه فحلف كان له إقامة البينة وإثبات الحق عندهم وإن كان قد أخرها وقعد عنها.
فأما صفة الدعوى وبما ذا تكون معلومة؟ فالدعوى تتحرر بثلاثة أشياء: بأن يسأل عن القاتل، ونوع القتل، وصفة القتل، فالقاتل يقال وحده أو معه غيره، والنوع أن يقال عمدا أو خطأ أو عمد الخطأ، فإن أنواعه تختلف، فإذا قال: عمدا قيل: صف العمد، فإذا قال: ضربه بما يقتل غالبا قاصدا إلى قتله، فقد تحررت الدعوى.
وإنما اعتبرنا هذا التفصيل لأنه لو لم يفصل لم يمكن الحكم لأنه لا يدري بما ذا يحكم، ولأن الحكم يختلف باختلاف عدد القاتلين وبأنواع القتل عمدا أو خطأ أو عمد الخطأ، ويختلف عنده المحض، فإنه قد يعتقد العمد المحض عمد الخطأ ولا يدري، فلهذا قلنا: لا يتحرر إلا بهذا التفصيل، فإذا ثبت هذا نظرت: فإن قال: قتله وحده عمدا، ووصف عمدا يوجب القود، حلف المدعي مع اللوث خمسين يمينا، فإذا حلف ثبت عندنا به القود، وعند قوم يثبت به الدية دون القود.