الجناية إذا سرت إلى ضمان النفس كان الاعتبار بحال الاستقرار، وضمان العبد ضمان الأموال، وليس لضمان النفوس، فبان الفصل بينهما.
فإذا ثبت أن الواجب دية حر مسلم فللسيد أقل الأمرين من نصف قيمته أو كمال ديته، فإن كان نصف القيمة أقل فليس له الزيادة عليها، لأن الزيادة على ذلك حدثت بالسراية حال الحرية، ولا حق له فيما زاد بالسراية حال الحرية، وإن كان نصف القيمة أكثر من الدية، فله كمال الدية، لأن الواجب بالجناية نقص بالسراية حال الحرية، فكان النقص من حق السيد، فكان الباقي له بعد النقصان بدلالة أن الباقي بقية ملكه، وهكذا الحكم فيه إذا كان نصف القيمة وفق الدية فإن له كمال الدية، لأن السراية حال الحرية لم يزد بها شئ، فلهذا كان كله له.
فأما إذا حصلت عليه جناية حال الرق وجناية حال الحرية، ففيه مسألتان:
إحديهما: إذا جنى عليه جان حال الرق فقطع يده، وجان حال الحرية فقطع رجله.
والثانية: إذا جنى عليه جان حال الرق فقطع يده، وجانيان حال الحرية أحدهما قطع يده الأخرى والآخر رجله، والأولى أسهل من الثانية، وإنما يتبين الكلام في الثانية إذا تكلم على الأولى.
وجملته إذا قطع حر يد عبد فأعتق العبد ثم قطع آخر رجله ثم سرى إلى نفسه فمات، فالكلام فيها في أربعة فصول: في القود قدر الواجب، ومن عليه، وله.
أما القود فلا يجب على الأول في الطرف، لأنه ليس بكفء له حال الجناية، ولا القود في النفس، لأن القطع إذا لم يضمن بالقود لم يضمن سرايته بالقود.
وأما الجاني حال الحرية فعليه القود في الطرف والنفس معا، لأنه قصد إلى تناول نفس مكافئة له حال الجناية، فأوجبنا عليه القود، وذلك أن النفس إذا خرجت عن عمدين محضين، فإذا سقط عن أحدهما - وهو الأول لا لمعنى في فعله، لكن لكمال فيه - لم يسقط عن الثاني، كما لو شارك الأجنبي الأب في قتل