فالأول جارح والثاني قاتل لأنه قتله بعد استقرار الجرح الأول، فينظر فيه، فإن كان جرحا لا قود فيه فلوليه أرشه، وهو في الثاني بالخيار بين العفو والقتل، وإن كان الأول فيه القصاص مثل أن قطع يده فهو في الأول بالخيار بين القطع والعفو، وفي الثاني بالخيار بين العفو والقتل، إذا كان بعد اندمال الأول.
فأما إن كان الثاني قبل اندمال الأول، فالأول جارح والثاني قاتل، كالمسألة قبلها سواء، لأن قتل الثاني قطع سراية الأول، فهو كما لو اندملت الأولى.
قالوا: أليس لو جرحاه معا فسرى إلى نفسه فهما قاتلان؟ هلا قلتم هاهنا مثله، قيل: الفصل بينهما إذا جرحاه، أن كل واحد من الجرحين سرى، ولم يقطع الثاني سراية الأول، فكان تلفه بهما، فلهذا كانا قاتلين، وليس هكذا هاهنا لأن قتل الثاني قتل سراية الأول، فكان القتل من فعل الثاني وحده، ولهذا كان الثاني هو القاتل وحده وليس الحكم فيه كما لو قتله الثاني بعد اندمال الأول، وقد مضى حكمه.
فأما إذا كان القاتل هو الجارح - وهو إذا جرحه ثم عاد فقتله - لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون بعد اندمال الأول، أو قبله.
فإن كان بعد الاندمال فلكل واحد منهما حكم نفسه، كما لو كانا جارحين سواء، لأن القتل حصل بعد استقرار الجرح الأول، فكان لكل واحد منهما حكم نفسه، فالولي ينظر في الأول، فإن كان مما لا قود فيه ففيه الأرش ثم هو بالخيار بعد هذا بين القتل والعفو على كمال الدية.
وإن كان الأول فيه القصاص، مثل أن قطع يده ثم عاد فقتله، فهو في الأول بالخيار بين القطع والعفو على مال، فله نصف الدية، ثم بالخيار بين القتل والعفو على مال، فيكون له كل الدية، هذا إذا عاد فقتله بعد اندمال الأول.
فأما إن عاد فقتله قبل الاندمال مثل أن قطع يده ثم قتله، فالولي بالخيار بين القصاص والعفو، فإن اختار القصاص كان له القطع، والعفو والقتل بعده، ولا