وقال الآخرون: فيها القصاص، وهو الأقوى، لظاهر الآية، فالمجني عليه قد مات مرتدا، من الذي يستوفي القصاص؟ قال قوم: يستوفيه وليه المسلم، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، لأن عندنا يرث المسلم الكافر، ومن قال: لا يرث المسلم الكافر، قال منهم قوم: يستوفيه الإمام، وقال آخرون: يستوفيه وليه المناسب دون كل أحد، لأن القصاص يجب للتشفي والمناسب هو صاحب التشفي، فإن اقتص فلا كلام وإن عفا على مال عندنا يكون لورثة المسلم، وعندهم لبيت المال فيئا، قالوا:
ولا يمتنع أن يكون القصاص له وإذا حصل العفو على المال كان لغيره، ألا ترى أنه لو كان عليه ديون وله ابن فقتل كان القصاص لولده؟ ولو عفا ثبت المال لغرمائه.
ومتى عفا فهل يثبت المال أم لا؟ وإذا ثبت فما قدره؟ يأتي في التفريع على قول من قال: لا قود في الطرف، فإذا قال: لا قصاص في الطرف، قال قوم: لا يجب المال أيضا لأن حكم الطرف تابع للنفس، وقال آخرون: يثبت أرش الطرف لأن الطرف إذا كان مضمونا حين القطع، لم يسقط حكمه بسقوط حكم السراية.
ألا ترى أنه لو قطع يد رجل ثم جاء آخر فقتله في الحال فقد قطع الثاني حكم سراية القطع، ولم يغير حكم القطع، فكذلك إذا كان القطع لحكم السراية هو الردة وجب أن لا يغير حكم السراية.
فمن قال: لا ضمان في الطرف فلا كلام، ومن قال: يضمن، فما الذي يضمن؟ قالوا: يجب عليه أقل الأمرين من أرشه أو الدية، فإن كان الأرش أقل من الدية مثل أن قطع يده فعليه أرش الطرف لا غير، لأن السراية كانت حال الردة والسراية غير مضمونة، فلا يزيد أرش الطرف على السراية، وإن كان الأرش أكثر من الدية مثل أن قطع يديه ورجليه وأذنيه، ففيه الدية لا غير، لأنه لو فعل هذا بمسلم فسرت إلى نفسه وهو مسلم كان فيه الدية فقط، وقال بعضهم: يجب أرش الجناية بالغا ما بلغ ولو كان ديات.