فأما الكلام في من خرج على الإمام ودعا إلى نفسه وانفرد في منعة كالخوارج والغلاة والبغاة، فالحكم فيه كالحكم في خليفة الإمام سواء حرفا بحرف.
وأما المتغلب باللصوصية - وهو من خرج متغلبا على موضع لقطع الطريق واللصوصية - فإذا أمر غيره بقتل رجل ظلما فقتله المأمور، فإن علم المأمور أنه ظلم فالقود عليه بلا خلاف، وإن كان جاهلا أنه بغير الحق، فالقود عليه دون الآمر بلا خلاف، لأن مخالفة طاعته والهرب منه قربة، وإن أكرهه هذا اللص على قتل رجل فقتله فعندنا أن القود على القاتل مثل غيره، وقال قوم: القود عليهما، وفيهم من قال: حكمه حكم الإمام إذا أكره غيره على قتل غيره بغير حق، وقد مضى، وفيهم من قال: على قولين.
إذا كان له عبد صغير لا يعقل، ويعتقد أن كل ما يأمره سيده فعليه فعله، أو كان كبيرا أعجميا يعتقد طاعة مولاه واجبة وحتما في كل ما يأمره، ولا يعلم أنه لا طاعة في معصية الله.
فإذا كان كذلك، فإذا أمره بقتل رجل فقتله فعلى السيد القود، لأن العبد يتصرف عن رأي مولاه، فكان كالآلة له بمنزلة السكين والسيف، وكان على السيد القود وحده، قالوا: أليس لو أمره بسرقة فسرق لا قطع على السيد؟ هلا قلتم مثله هاهنا؟ قلنا: الفصل بينهما من وجهين.
أحدهما: أن القود يجب بالقتل بالمباشرة وبالسبب، فجاز أن يجب القود بالأمر لأنه من الأسباب، وليس كذلك القطع في السرقة لأنه لا يجب إلا عن مباشرة، ولا يجب بالسبب، فلهذا لم يكن هذا السبب مما يجب به القطع عليه.
والثاني: أن القود لما دخلت النيابة في استيفائه جاز أن يجب القود بالاستنابة فيه، والقطع في السرقة لما لم تدخل الاستنابة فيه لأن المسروق منه لا يستنيب في قطع اللص بحال، فكذلك لم يجب القطع به بالاستنابة فيه، فبان الفصل