مما على الثاني. قلنا: الفصل بينهما أن الواجب في العبد قيمته واعتبار القيمة فيه بحال الجناية لأنه إتلاف مال، فكان الأول أكثر من الثاني، لأن الثاني جنى عليه وقد نقصت قيمته بالجرح الأول، فلا يجب عليه كما يجب على الأول، وليس كذلك هاهنا، لأن الجناية صارت نفسا وكان الاعتبار ببدل النفس حال الاستقرار، وهما حال الاستقرار متفقان فيما يجب على كل واحد منهما، فإن الحر لا ينقص بدل نفس بالجناية عليه، فلهذا كانا سواء.
فأما مسألة العبد التي فيها ست طرق فهي تشرح فيما بعد إن شاء الله تعالى.
فإذا ثبت أن الواجب عليهما الدية نصفين، فالكلام في المستحق لذلك فيكون للسيد منها أقل الأمرين من نصف قيمة العبد أو نصف الدية، فإن كان نصف قيمته أقل من نصف الدية فلا شئ له غير أرش الجناية، لأن الزيادة حصلت بالسراية حال الحرية، فلا حق له فيها، وإن كان نصف القيمة أكثر من نصف الدية، فليس له إلا نصف الدية، لأن نصف القيمة نقصت بالجناية حال الحرية، فليس له إلا نصف الدية.
قالوا: كيف قلتم في هذه المسألة للسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو نصف الدية؟ وقلتم في المسألة قبلها: عليه أقل الأمرين من نصف قيمته أو كمال الدية.
قلنا: الفصل واضح وذلك أن الجاني في الأولى واحد لا غير، فكان عليه بدل النفس كله، وكانت جنايته على ملك السيد، فلهذا كان له أقل الأمرين من نصف قيمته أو كمال الدية، وليس كذلك في مسألتنا لأن فيها جانيين، جان حال الرق وجان حال الحرية. فعلى كل واحد منهما نصف الدية، فلو أوجبنا له أكثر من نصف الدية جعلنا بعض ذلك على الجاني حال الحرية، ولا شئ له على من جنى حال الحرية، فلهذا كان له أقل الأمرين من نصف قيمته أو نصف الدية.