ولا يجب غسل المرفق، وهو قول زفر. وقال الشافعي: لا أعلم خلافا في أن المرافق يجب غسلها. وقال الطبري: غسل المرفقين وما فوقهما مندوب إليه غير واجب. وقد اعتذر له بأن معنى كلامه أن وجوب ذلك يعلم من السنة لا من الآية.
وإنما اعتبرنا غسل المرافق لإجماع الأمة على أن من غسلهما صحت صلاته ومن لم يغسلهما ففيه الخلاف.
وقيل: الآية مجملة فالواجب الرجوع إلى البيان، وقد ثبت أنه ص غسلهما فيما حكاه كبار الصحابة في صفة وضوئه، فصار فعليه بيانا للآية، كما أن قوله كذلك.
وليس لأحد أن يقول: إن ظاهر قوله: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، يوجب أن يكون المرفق غاية في الوضوء لا أن يكون مبدوء به أو يغسل المرفق معها، لأنا قد بينا بأن " إلى " بمعنى " مع " " والغاية " على سبيل الحقيقة، وقرينة إجماع الأمة أن غسل المرافق واجب فلو كان إلى للغاية هنا لم يلزم غسل المرفق على مقتضى وضع اللغة لأن ما بعد " إلى " إذا كانت للغاية لا يدخل فيما قبلها وإلا فلا تكون غاية.
فصل:
قوله: وامسحوا برؤوسكم، جملة فعلية معطوفة على الجملة المتقدمة، وهي تقتضي الإيجاب حيث تقتضيه الأولى وتتناول الندب حيث تتناوله الأولى، ولا فرق بين المقتضيين في الجملتين على حال لمكان الواو العاطفة، وكذلك يجب أن يكون حكم " أرجلكم " حكم " رؤوسكم " لمكان الواو العاطفة أيضا سواء كان عطفا على اللفظ أو على المحل ولأن جميع ذلك اسم لشئ واحد وهو الوضوء، فإن اقتصر على بعضها اختيارا فلا وضوء. فإذا ثبت ذلك فاعلم أنهم اختلفوا في صفة المسح:
فقال قوم: يمسح منه ما يقع عليه اسم المسح، وهو مذهبنا، وبه قال عبد الله ابن عمر والقاسم بن محمد والشافعي. وقال مالك: يجب مسح جميع الرأس. وقال أبو حنيفة: لا يجوز مسح الرأس بأقل من ثلاثة أصابع، وهذا عندنا على الاستحباب.