قمتم إلى الصلاة، وأراد - بلا خلاف - إذا أردتم القيام إلى الصلاة كما قدمناه، ثم أتبع ذلك حكم العادم للماء الذي يجب عليه التيمم، فيجب على من تعلق بهذه الآية أن يدل على أن من كان في أول الوقت له أن يريد الصلاة ويعزم على القيام إليها.
فإنا نخالف في ذلك ونقول: (ليس لمن عدم الماء أن يريد الصلاة في أول الوقت، وليس لهم أن يفصلوا بين الجملتين ويقولوا) إن إرادة الصلاة شرط في الجملة الأولى التي أمر فيها بالطهارة بالماء مع وجوده، وليست شرطا في الجملة الثانية التي ابتداؤها " وإن كنتم مرضى "، وذلك لأن الشرط الأول لو لم يكن شرطا في الجملتين لكان يجب على المريض أو المسافر إذا أحدثا التيمم وإن لم يردا الصلاة، وهذا لا يقوله أحد.
والتيمم إنما أوجبه الله عند عدم الماء وحيث لم يجده الانسان، ومعلوم أنه أراد بوجود الماء التمكن منه والقدرة عليه، لأنه لو وجد الماء ولم يتمكن من الوصول إليه للخوف من السبع أو التلف على نفسه لم يكن واجبا عليه استعماله ولم يجز أن يكون مرادا، فعلم أنه إنما أراد التمكن. والتمكن مرتفع بأحد الأشياء الثلاثة: إما لعدم الماء مع الطلب له، أو لعدم ما يتوصل به إلى الماء من آلة أو ثمن، أو لحائل بينه وبين الماء من الخوف من استعماله إما على النفس أو على المال وما أشبه ذلك، فالآية بمجردها تدل على جميع ذلك.
فصل:
على أنا نحمل قوله تعالى: فلم تجدوا ماءا فتيمموا، على العموم في جميع الأوقات عند عدم الأشياء الثلاثة المذكورة على بعض الوجوه، فإن القاضي للصلوات المفروضات يتيمم عند حصول إحدى تلك الشرائط في كل حال وإن لم يكن وقت صلاة حاضرة، وكذلك يتيمم من أراد أن يصلى صلاة نافلة في غير وقت فريضة أو في أول وقتها، ثم يجوز أن يصلى بذلك التيمم فريضة الوقت في آخر وقتها عند تضيقه، إذا لم ينتقض حكم ذلك التيمم بحدث أو ما يجري مجراه، وهو التمكن من استعمال الماء.
واختلف في كيفية التيمم على أقوال:
أحدها: إنه ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، وهو قول أبي حنيفة والشافعي