قوله تعالى: لا أجد فيما أوحي إلى... الآية وظاهر هذه الآية يقتضي أنه لا يحرم من المطعومات إلا ما تضمنت ذكره ولم يتضمن ذكر ما وقع فيه بعض ما لا نفس له سائلة من الطعام والشراب فوجب أن يكون مباحا فلو كان نجسا لما أبيح أكله وشربه ولا يلزمنا ما أخرجناه من عموم هذه الآية من المحرمات الكثيرة لأن الدليل اقتضى ذلك ولا دليل فيما اختلفنا فيه يقتضي العدول عن ظاهر الآية فإن قيل: قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وقوله في الآية التي تعلقتم بها أن تكون ميتة فدل على بطلان ما ذكرتموه قلنا ليس الأمر على ما ظننتم لأنه غير مسلم أن اسم الميتة بالإطلاق يتناول ما لا نفس له سائلة من البعوض والبق إذا مات والتعارف يمنع من ذلك على أن تحريمه تعالى الميتة إنما المراد به الأفعال في عين الميتة دون غيرها من أكل وبيع وتصرف وانتفاع والماء الذي تجاوره الميتة ليس بميتة فيجب أن يكون موقوفا في طهارته أو نجاسته على الدلالة ولم يعدده الله تعالى في المحرمات من المطعومات فيجب أن يكون طاهرا وأيضا فقد روى أبو هريرة عن النبي ص قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله ذلك عموم في الحي والميت فدل على أن حصولها في الماء لا ينجسه ولأن المقل يوجب الموت ألا ترى أنه إذا مقلها في طعام شديد الحرارة فإنها تموت في الحال، ولم يفصل ع بين الحار والبارد، وفي خبر آخر روي عن النبي ص أنه قال: كل طعام أو شراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فهو الحلال أكله وشربه والوضوء عنه.
المسألة الثامنة عشرة:
كل حيوان لا يؤكل لحمه فلا حكم لذكاته، وموته وذكاته سواء، الصحيح عندنا خلاف ذلك لأن ما لا يؤكل لحمه مما ليس بكلب ولا خنزير ولا انسان تؤثر فيه الذكاة ويخرجه من أن يكون ميتة، ولو مات حتف أنفه لم تجر مجرى خروج نفسه بإذكائه وهو مذهب أبي حنيفة وقال الشافعي: ما لا يؤكل لحمه لا يلحقه الذكاة وموته وذكاته سواء، دليلنا على صحة ذلك إجماع الفرقة المحقة عليه وأيضا ما روي عن النبي ص من قوله:
ذكاة الأديم دباغه وفي بعض الأخبار ذكاة الأديم دباغه فأقام الذكاة مقام الدباع فاقتضى